الجمعة، 19 أفريل 2024

بعد 20 عام الطالبان يضعون أيديهم على السلطة بوساطة قطرية مميز

16 أوت 2021 -- 20:59:58 1372
  نشر في الميثاق اليوم

تونس/الميثاق

الطالبان سيطروا على كامل التراب الأفغاني في بضعة أيام والرئيس الأفغاني يغادر البلاد هاربا وقطر كانت الوسيط لـ"تسليمهم السلطة بصورة سلمية". وبسرعة خاطفة أصبح المسلحون يراقبون الشوارع والمباني الحكومية ومراكز السلطة المحلية والجهوية والوطنية ولم تخرج عن سيطرتهم المنطقة الخضراء التي تضم السفارات ومقرّ إقامة السفراء والمسؤولين السامين في الدولة. وبالمقبل غابت القوات الأمنية والعسكرية عن مراكزها وكأنها تبخّرت لتوّها. وقد أسفرت مفاوضات الدوحة بين الأمريكان وقادة الطالبان، عن اتفاق يقضي بأن يبقى في السفارة 50 نفرا كقائمين بأعمالها وأن تتولى القوات العسكرية الأمريكية إدارة شؤون مطار كابول إلى غاية خروج كل الرعايا الأجانب. لكن ما أن دخل قادة الطالبان القصر الرئاسي وحاصر المسلحون العاصمة حتى أعلنوا أنهم لن يقدموا صورة على النظام الذي سيقيمونه إلا متى غادر كل الأجانب أفغانستان.

وفي الأثناء أعلن الرئيس الأفغاني في تدوينة له على الفايسبوك أن مغادرته البلاد أتت بإرادة منه لتجنيب حمام دم، وأقرّ بانتصار الطالبان وترك السلطة لهم، بعد أن أيقن أن حلفاءه قد تخلّوا عنه وأن قواته العسكرية والأمنية الحاملة للسلاح ليست مستعدة للدفاع عن نظام حكم متهاو.

 ومن جهة كان جزء هام من الشعب الأفغاني، وبصورة خاصة النساء، قد أصابه الهلع فأسرع إلى الحدود وإلى مطار كابول هاربا من جحيم، كان شهده قبل 20 عاما.

ومن خلال قراءة الأحداث التي شهدتها أفغانستان وسيرها نقدّم الملاحظات التالية:

1 ـ إن أمريكا والإمبريالية بصورة عامة لا تضع في صدارة اهتماماتها سوى مصالحها الخاصة، الوطنية والإقليمية والعالمية. لذلك نراها مستعدة للتخلي عن حلفائها وترك الشعوب التي كانت تسيطر عليها تواجه مصيرها.

2 ـ دخلت أمريكا في مفاوضات رسمية مع قيادة الطالبان لما يزيد عن السنتين، أي منذ عهد ترامب الذي التزم بسحب قواته، وبمعنى آخر قبل بتسليمهم السلطة. وكانت الدوحة مقرّ هذه المفاوضات والسلطة القطرية كانت الوسيط فيها.

3 ـ إن قطر التميمية التي كانت الراعية، بمعية تركيا الأردوغانية، للحركة الإخوانية في العالم، ثمّ أصبحت منذ الحرب الأفغانية الأولى داعمة للسلفية الجهادية، بما فيها تنظيمي "القاعدة" و"داعش". بحيث تدخلت في تونس وليبيا وهي الآن تدعم الحركة الجهادية في الساحل ودول الشرق الإفريقي. وتؤكد التطورات الأخيرة في أفغانستان الدور الذي لعبنه في دعم الإسلام السياسي على النطاق العالمي، خاصة وأن أفغانستان كانت مخبر السلفية الجهادية العالمية.

4 ـ كانت أفغانستان الموطن الذي اختبرت فيه السلفية الجهادية قدراتها القتالية في الحرب المناهضة للاتحاد السوفياتي وطورتها، وكانت أيضا ملجأ الجهاديين، لـ"القاعدة" و"داعش" بعد انهيار "دولة الخلافة"، إذ كانت إحدى الوجهات الرئيسية لمقاتليها. ورغم أن الطالبان أكدوا لمفاوضيهم باستمرار أنهم لن يسمحوا للحركات الجهادية بأن تأخذ من أفغانستان ملجأ لها. لكن لا أحد يعلم ما هم فاعلون، وما أكدوا عليه هو أنهم سيقيمون "إمارة إسلامية" وسيحكمون بـ"شرع الله".

5 ـ إن حركة الطالبان عملت على جميع الواجهات بصبر وأناة، خلال الـ20 سنة الماضية، إذ قامت بعمليات عسكرية وإرهابية لتؤكد أنها مناهضة للاحتلال وتكافح لطرد المستعمر، وفي نفس الوقت توسع قاعدتها المؤلفة من الخلايا النائمة في المجتمع الأفغاني والدولة الأفغانية، بشكل لمّا أصبحت الدولة قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار، أعلنوا الهجوم العام للمسك بالسلطة، حينها تحركت قوّاهم في جميع الجهات، الشيء الذي سرّع في الهجوم الذي أصبح أمرا مقضيا.

6 ـ خلال الـ20 عاما الماضية اهتمت الدولة الأفغانية والاستعماريون بالأسلحة التقليدية والعصرية والمصالحة الخاصة للحاكمين وللطبقة التي تقف وراءهم، دون أن يولوا أهمّية بالأوضاع المعيشية للشعب ولا برفع مستواه التعليمي والثقافي والقيمي، الشيء الذي خلق قطيعة بينه وبين الحاكمين، لذلك لم يقف إلى جانبهم في ردّ الهجوم.

7 ـ وخلال الـ20 سنة الماضية لم تبرز قوّة وطنية ديمقراطية اجتماعية يمكنها أن تنير الطريق أمام الشعب الأفغاني لاختيار طريق أخرى متمايزة عن السلطة القائمة المدعومة من الاستعمار الأمريكي والدولي ومع الطالبان. فوجد نفسه في اللحظة الحاسمة مجبر إما على الهرب أو الخنوع.

8 ـ أيتها القوى الحمهورية (اليسارية والديمقراطية) إلتقطي الدرس من التجربة المرة الأفغانية حتى لا يجد الشعب التونسي نفسه في يوم من الأيام في وضع مشابه للذي وجد فيه الشعب الأفغاني نفسه.

 

محمد الكيلاني

آخر تعديل في الإثنين, 16 أوت 2021 20:59

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة