السعودية والإمارات... فأجأتهم الإحتجاجات أو لم تفاجئهم، ليس لهم أي رؤية أو مشروع رؤية في التعامل مع المنعطفات التاريخية الكبرى... هم يمارسون السياسة بطريقة التصريف اليومي لشؤونهم وتسليم أمور التخطيط الإستراتيجي والبرامج المستقبلية للامريكان... حتى أنهم مستعدون للتسليم بالبحرين واليمن كما سلنوا في سورية ولبنان وكما سلموا في الاحواز والعراق مقابل تعايش وقبول بايران لا تتدخل في شؤون الحكم والعائلات الحاكمة...
● الأمريكان... السياسة الامريكية الثابتة، هي المحافظة على الاستقرار في إيران الذي يسهر عليه اليوم نظام الملالي بما تمثله من :
+ أولا محرك/مفاعل catalyseur لإعادة رسم الخرائط المذهبية والإثنية في المنطقة، في محيط فلسطين المحتلة وحماية الكيان الصهيوني في آخر المطاف... خاصة بعد رهن قرارات الميليشيات المتحالفة معها بالسياسة الروسية الداعمة هي نفسها لامن واستقرار الكيان الصهيوني
+ ثانيا كجدار عازل بين هذا الفضاء (الجزيرة والعراق والشام ومصر) وبين الشعوب الاسيوية المسلمة من باكستان إلى كازاخستان مرورا بافغانستان، تركمانستان طاجكستان أوزباكستان وكرقيزيا... وعزلها عن مجال نفوذ ومنجم ثروات تستقر فيه الامور لصالح امريكا والدول الغربية باقل التكاليف... وحتى يكون هذا الجدار آمنا يجب أن يكون النظام الحاكم بمواصفات نظام الملالي الحالي... نظام متخلف قائم على التمييز الطائفي والاستعلاء القومي... نظام خارج الزمن وليس للإقتداء او الاستنساخ... لذلك كانت كل المواقف الغربية بمن فيها الامريكية (وسنعود لموقف ترامب) مواقف متماهية مع نظام الملالي، تقدم له التحذيرات في قالب نصائح بعدم الاستعمال المفرط للقوة، وتلجم في نفس الوقت ممثلي المعارضة الايرانية في اوروبا من ممارسة دورها الدعائي والتحريضي ضد النظام... كما تمارس سياسة تعتيم اعلامي كبيرة... فلم نشهد ولو جزء يسيرا من الحماسة الاعلامية التي رافقت الانتفاضة في تونس او مصر سنة 2011...
أما موقف ترامب، فلم نسمع في التاريخ ان رئيسا امريكيا او مسؤولا سياسيا كبيرا يمارس وظيفته التنفيذية عبر الفايس بوك أو التويتر الا الرئيس الامريكي ترامب ووزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش... وهي ممارسات زيادة على أنها كاريكاتورية مضحكة... تؤكد القاعدة في أنّ الموقف الامريكي الرسمي هو مع استقرار نظام الملالي... لان السياسة الامريكية وخياراتها الاستراتيجية لم نتعود التعبير عنها بتغريدات صبيانية عبر التويتر إلا إذا كان القصد من ذلك هو التشويش على هذه الاحتجاجات وخلق بعض الشكوك حول مصداقية قياداتها واستقلاليتهم ووطنيته
م واظهارهم بمظهر المتماهي مع رغبات ترامب...
● القوى السياسية الحزبية والإجتماعية في الوطن العربي والعالم... تعيش الأحزاب الأوروبية الكبرى إنتكاسة سياسية خلفتها السياسات الاقتصادية والاجتناعية خلال العشرية الفارطة فخرجت الاحزاب الكبرى من الحكم في فرنسا وفي بريطانيا والمانيا واسبانيا وايطاليا... او هي تعرف ضعفا ومشاكل غير مسبوقة... لذلك انكفأت هذه الاحزاب لمعالجة الاوضاع الداخلية ولم تعد تلتفت كثيرا الى ما يحدث خاج دولها او خارج حدودها الاقليمية... واذا ما انكفأت هذه الاحزاب الى الداخل فستسحب معها النخب السياسية والاجتماعية وخاصة الاعلامية فلم تعد احداث على غاية من الأهمية تحظى بالاهتمام اللازم.
أمّا القوى السياسية العربية فتنقسم إلى أربع عائلات كبرى إسلامية ويسارية وليبرالية وقومية...
- الإسلاميون والمقصود هنا جماعة الاخوان وانظمة قطر والسودان، يساندون نظام الملالي، أو هم على الأقل لا يناهضونه، ويعتبرون أن مجرد ادعائه بأنه نظام إسلامي يكفي لعدم المساهمة في دعم خصومه وتسليمه لقوى قد تكون قومية أو يسارية اجتماعية "معادية"، وهذا ما عبر عنه إخوان مصر وما يسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين... متهمين القوى الإيرانية المحتجة في إيران، بأن ما يتعرض له نظام الملالي من قلاقل مرتبط بقضية دعمه لقضية فلسطين !!! وها ان المتكلم الرسمي باسمهم، الرئيس التركي اوردغان... يشكر روحاني وخامنائي على حكمتهما في التعامل مع المتظاهرين (قتل 30 متظاهر الى حد الان) ويلوم المحتجين ويطلب منهم عدم اللجوء للعنف واستفزاز قواة الامن ؟؟؟
-اليساريون... ماركسيون وبعض "العروبيين" الذين يمجدون نظام بشار الاستبدادي وحزب الله الطائفي ويدعون الانتماء الى الحركة القومية العربية، في لبنان ومصر وتونس والمغرب الاقصى... هؤلاء ونتيجة انسداد افقهم الفكري... ونتيجة الجمود في القيادة واحتكارها من طرف نخب الفشل السياسي والهزيمة المعنوية والخنوع الفكري للمسلمات... اصبحوا يقفون الموقف ونقيضه... هم ديمقراطيون ويدعمون الاستبداد، هم حداثيون ويدعمون الطائفية ويعولون عليها لتحرير الارض، بيان "المؤتمر العربي لمناهضة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية"... يساند النظام الايراني ويشكره على تدخله في الشؤون العربي، ويدعم الاستعمار الروسي ويساند بل وينادي بالالتفاف وراء حكام المنطقة الخضراء في العراق، ويدعمون العملية السياسية في العراق المحتل وما تقوم عليه من لفيف طائفي وعميل وفاسد... هذه الجماعات تردد أنّ التحركات الإحتجاجية في إيران هي من فعل المخابرات الغربية... وكأنها بذلك تبيض نظام الملالي وتضعه منزلة الأنظمة الوطنية المستهدفة من الإمبريالية... هذه القوى اليسارية وكأني بها تقول من حيث لا تدري بأن المقياس لوطنية أي تحركات شعبية إنما ننظر إليها من وحهة مصالح المحور الإيراني الطائفي والروسي الحالم بالريادة العالمية... فما لم تتوافق هذه التحركات ومصالح هذا المحور فهي تحركات مفتعلة وتاتي تنفيذا لاجندة الامبريالية الامريكية والرجعية السعودية... هكذا هم في اذهانهم غير مستقلين ولا يعتقدون بان الشعب اي شعب من شعوب العالم هو من يحدد الوطني والغير وطني وهو الذي يرسم مستقبله ويمسك مصيره بيده... وما الوطنية الا بالانحياز لهبة الشعب ونضاله...
- الليبيراليون، رغم أنهم كقوة اجتماعية غير واضحة المعالم وتتسع للمهربين والإحتكاريين ووكلاء الاجنبي ورأس مال محلي، فإن الأحزاب التي تمثلهم عديمة التجربة بالممارسة السياسية وتحدد مواقفها حسب امزجة وميولات زعمائها... وهم لا يريدون ان يغامروا في السياسة كما يغامرون في الصفقات الاقتصادية والتجارية... فلم نسمع مواقف دقيقة لاحد منهم
- وحدهم القوميون، والمقصود بالأساس البعثيون وبعض الناصريين الأُصلاء وبعض الجماعات الوطنية أشخاصا وأحزابا وطيف واسع من أبناء الشعب العربي، يقفون موقف الداعم القوي لهذه التحركات الاحتجاجية لشعوب ايران... فلقد عانوا وعاينو أن نظام الملالي جاوز المدى في الداخل الإيراني حيث مارس التمييز المذهبي والعنصري، وسياسة الاذلال والالحاق القومي في حق شعوب وقوميات إيران وخاصة في حق أشقائنا العرب في الأحواز المحتلة... عانوا وعاينو قروسطية هذا النظام وتخلفه واستبداده وفساده... حتى اوصل الشعوب الايرانية الى هذا المستوى من كبت الحريات وانتهاك الحقوق وانسداد الأفق... حيث عانوا وعاينوا النزعة التوسعية لنظام الملالي خاصة على حساب أمتنا العربية في العراق وسورية ولبنان واليمن... وبدأ يؤسس لموطئ قدم له في المغرب العربي وتونس بالخصوص... حيث يدركون خطورة طروحات هذا النظام المتخلف على وحدة النسيج المجتمعي للشعب العربي وخطورة اجندته التوسعية على حساب مصالح الامة العربية... وخطورة تحالفاته المشبوهة مع الامريكان والصهاينة على قضية العرب الاولى في فلسطين... القوى القومية إذ تقف مع انتفاضة الشعوب الإيرانية فهي تنادي باستقلال الأحواز وكف أذى نظام الملالي وتدخله في الشؤون العربية... وتتمنى مزيد من الموفقية والنجاح لانتفاضة الشعوب الايرانية على درب التخلص من نظام الملالي واستعادة استقرارها وتقدمها وبناء علاقات من حسن الجوار مع دول الجوار ومع العرب بالخصوص... وعلى درب التعاون والتحالف من اجل عالم أفضل
عثمان الحاج عمر