السبت، 23 نوفمبر 2024

الأزمة مع الإمارات و صراع المحاور حول تونس مميز

27 ديسمبر 2017 -- 11:23:20 1246
  نشر في راي و تحليل

تونس/الميثاق/رأي

قال البعض إنّما ما قامت به الإمارات من منع النساء التونسيات من الصعود إلى ناقلاتها الجوية وحتى من العبور عبر مطاراتها، هو رد فعل على منع/طرد بعض الإماراتيين النافذين من الجنوب التونسي بعد مخالفتهم لأساليب ومواقيت صيد الحبارة... واعتقد أنّ هذا غير صحيح... فمن الناحية المنطقية كان يفترض لو أن ما وقع هو رد فعل على ما حدث أن يمنع كل التونسيين وليس التونسيات فحسب... قال البعض الاخر قد يكون ذلك رد فعل على خروج كل الشعب التونسي تقريبا في مسيرات احتجاجية على قرار الرئيس الامريكي بشان القدس... وما سببه ذلك الخروج من حرج يشبه الإدانة للأنظمة المطبعة ... والجواب هو نفسه... كان من المفترض لو كان الأمر كذلك لمس الرد الإماراتي كل التونسيين وليس التونسيات فحسب...

المسألة في إعتقادي أكبر من ذلك... ربما هي احتجاج قوي من الإمارات بمعنى الضغط ومحاولة جر تونس إلى مواقف سياسية أخرى تريدها الإمارات... فمن الظاهر أنه توجد الآن على المستوى العربي والإقليمي ثلاثة محاور ظاهرة، والفرز بينها وأضح في كثير من معالمه... المحور الاول هو السعودية / الإمارات ومن يدور في فلكهما مثل البحرين والاردن واليمن ثم محور تركية / قطر / التنظيمات الإخوانية، ومن يدور في فلكهم مثل السودان وبدرجة اقل المغرب... ثم أخيرا محور إيران / سورية / حزب الله ومن يدور في فلكهم مثل العراق وبعض الجماعات الطائفية و"الاحزاب السياسية"هنا وهناك... كل هذه المحاور تتصارع على تونس ومصر بالأساس... فالكويت وبدرجة اقل عمان، هي أقرب إلى المحور الأول... ولبنان تمارس سياسة"النأي بالنفس" حفاظا حتى على واقع التعايش اللبناني-اللبناني في حين يتحاشى الجميع الجزائر ونظامها المغلق وردود فعله الغير محسوبة... تبقى تونس ومصر من أهم الدول العربية التي تحاول الحفاظ على علاقات مع المحاور الثلاثة... ولئن كان لمصر نقاط قوة تحصنها نسبيا في مواجهة هذه المحاور فان الضغط الشديد يسلط على تونس...

تونس التي تصارع داخلبا من أجل استكمال القوانين المنظمة للحياة السياسية وتركيز المؤسسات الضرورية وتصارع أيضا من أجل تجاوز تدهور الوضع الاقتصادي وانقباض الوضع الإجتماعي... تقول أن سياستها الخارجية ستكون أداة من أدوات النجاح في تلك المعارك... ولكنها لم تنجح ولو نسبيا في التسويق للمنجز حتى الآن في المجال السياسي ولا كذلك أسلوب الحوار بين مختلف الفرقاء دون حاجة لوسيط أممي... لم تنجح في ذلك أو لم توظفه في علاقتها بالدول الغربية والولايات المتحدة وأمريكا الشمالية... بل على العكس من ذلك استطاعت دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن تستغل تدهور الاقتصاد الوطني لتفرض شروطا جديدة وتبتز السلطة التونسية وتجعل قرارها السياسي مرتهن لهذه الجهات في علاقة بمقاومة الفساد أو بمناهضة التطبيع... وهي كذلك لم تنجح على المستوى العربي والإقليمي... وظنت أنه بممالات هذا المحور طورا وذلك المحور طورا آخر انها قادرة على تحييد الجميع، وجلب بعض المنفعة الإقتصادية والمالية...

ويعود هذا الفشل إلى التناقض في الرؤية للسياسة الخارجية بين الحزبين الحاكمين في تونس أي النهضة والنداء... فإذا كانت النهضة مع عبد الحكيم بلحاج في ليبيا وضد حفتر، ومع مرسي في مصر وضد السيسي ومع اردوغان ومع قطر فان النداء مع حفتر ضد عبد الحكيم بالحاج في ليبيا ومع السيسي وضد مرسي في مصر وضد تركية وقطر ومع السعودية والإمارات... فكيف سيكون الحاصل الديبلوماسي... لم يكن مجرد صفر ... بل أقل من ذلك... جمود وضعف وتفريط في بعض المكتسبات... في ليبيا تنعكس علينا سياسة الآخرين ولا نفعل شيء... رغم أنّ الاتفاق على حل يراعي مصلحة الشعب الليبي الشقيق ومصالح دول الجوار وبالأساس منها تونس و "فرضه"على الفرقاء الليبيين فيه مصلحة أمنية واقتصادية كبرى لتونس وحل لبعض أزمتنا في هذين المجالين... تحجم السلطة التونسية عن اخذ دور الريادة في البحث عن هذا الحل...

كذلك مع محور ايران / سورية حيث تمارس تونس بكل غفلة وسذاجة وتدس رايها في التراب امام خطورة التغلغل الايراني في الوطن العربي وحتى في تونس سياسيا واجتماعيا... ثم هاهي الامارات تزيد في رجرجة الموقف التونسي بطريقة فيها من الخبث/الدهاء الشيء الكثير... الإمارات ضد الاخوان... واثناء انتخابات 2014 راهنت او ربما هناك من وعدها بازاحة النهضة الاخوانية في نظر الامارات...


ولكنه أخّل بوعده دون ان يشرح موقفه او دون ان يغير اسلوب معالجته لبعض القضايا من وجهة نظرها... وهذا الطرف هو النداء ولا نقول فقط محسن مرزوق... لأن محسن مرزوق كان الزعيم الخفي للنداء ووريث الباجي قائد السبسي... كذلك بعض الأحزاب السياسية الأخرى مناهضة للنهضة... غمزت للامارات بنفس الرموش... أكثر من مليون إمراة انتخبت النداء والباجي قائد السبسي...

هناك إنتخابات على الأبواب، 6 ماي 2018، فضربت الإمارات في المكان والزمان المناسب وبالسلاح المناسب... لذلك "تبنى" الباجي قائد السبسي قرارا ربما لم يتخذه هو ... منع طيران الامارات من الهبوط في المطارات التونسية... لم يتخذه هو لأن تبعاته الإقتصادية كبيرة وهو لا يريد أن يحمل البلاد أكثر مما تحتمل... لم يتخذه هو لأنه تذكر أنه قد يكون أخلف ببعض ما التزم به تجاه الامارات...

قرار الإمارات مسيء وفيه استهتار كبير بكرامة التونسيين والتونسيات... ولكن ارتباك السياسة الخارجية التونسية وعدم التحصن بالموقف الوطني المستقل ورفض سياسة المحاور بشكل واصح وصريح... سيوقع بلادنا في مزيد من الاخطار خاصة وان صراع المحاور على أشده.

 

 

 

عثمان الحاج عمر

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة