تونس التي تصارع داخلبا من أجل استكمال القوانين المنظمة للحياة السياسية وتركيز المؤسسات الضرورية وتصارع أيضا من أجل تجاوز تدهور الوضع الاقتصادي وانقباض الوضع الإجتماعي... تقول أن سياستها الخارجية ستكون أداة من أدوات النجاح في تلك المعارك... ولكنها لم تنجح ولو نسبيا في التسويق للمنجز حتى الآن في المجال السياسي ولا كذلك أسلوب الحوار بين مختلف الفرقاء دون حاجة لوسيط أممي... لم تنجح في ذلك أو لم توظفه في علاقتها بالدول الغربية والولايات المتحدة وأمريكا الشمالية... بل على العكس من ذلك استطاعت دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن تستغل تدهور الاقتصاد الوطني لتفرض شروطا جديدة وتبتز السلطة التونسية وتجعل قرارها السياسي مرتهن لهذه الجهات في علاقة بمقاومة الفساد أو بمناهضة التطبيع... وهي كذلك لم تنجح على المستوى العربي والإقليمي... وظنت أنه بممالات هذا المحور طورا وذلك المحور طورا آخر انها قادرة على تحييد الجميع، وجلب بعض المنفعة الإقتصادية والمالية...
ويعود هذا الفشل إلى التناقض في الرؤية للسياسة الخارجية بين الحزبين الحاكمين في تونس أي النهضة والنداء... فإذا كانت النهضة مع عبد الحكيم بلحاج في ليبيا وضد حفتر، ومع مرسي في مصر وضد السيسي ومع اردوغان ومع قطر فان النداء مع حفتر ضد عبد الحكيم بالحاج في ليبيا ومع السيسي وضد مرسي في مصر وضد تركية وقطر ومع السعودية والإمارات... فكيف سيكون الحاصل الديبلوماسي... لم يكن مجرد صفر ... بل أقل من ذلك... جمود وضعف وتفريط في بعض المكتسبات... في ليبيا تنعكس علينا سياسة الآخرين ولا نفعل شيء... رغم أنّ الاتفاق على حل يراعي مصلحة الشعب الليبي الشقيق ومصالح دول الجوار وبالأساس منها تونس و "فرضه"على الفرقاء الليبيين فيه مصلحة أمنية واقتصادية كبرى لتونس وحل لبعض أزمتنا في هذين المجالين... تحجم السلطة التونسية عن اخذ دور الريادة في البحث عن هذا الحل...
كذلك مع محور ايران / سورية حيث تمارس تونس بكل غفلة وسذاجة وتدس رايها في التراب امام خطورة التغلغل الايراني في الوطن العربي وحتى في تونس سياسيا واجتماعيا... ثم هاهي الامارات تزيد في رجرجة الموقف التونسي بطريقة فيها من الخبث/الدهاء الشيء الكثير... الإمارات ضد الاخوان... واثناء انتخابات 2014 راهنت او ربما هناك من وعدها بازاحة النهضة الاخوانية في نظر الامارات...
ولكنه أخّل بوعده دون ان يشرح موقفه او دون ان يغير اسلوب معالجته لبعض القضايا من وجهة نظرها... وهذا الطرف هو النداء ولا نقول فقط محسن مرزوق... لأن محسن مرزوق كان الزعيم الخفي للنداء ووريث الباجي قائد السبسي... كذلك بعض الأحزاب السياسية الأخرى مناهضة للنهضة... غمزت للامارات بنفس الرموش... أكثر من مليون إمراة انتخبت النداء والباجي قائد السبسي...
هناك إنتخابات على الأبواب، 6 ماي 2018، فضربت الإمارات في المكان والزمان المناسب وبالسلاح المناسب... لذلك "تبنى" الباجي قائد السبسي قرارا ربما لم يتخذه هو ... منع طيران الامارات من الهبوط في المطارات التونسية... لم يتخذه هو لأن تبعاته الإقتصادية كبيرة وهو لا يريد أن يحمل البلاد أكثر مما تحتمل... لم يتخذه هو لأنه تذكر أنه قد يكون أخلف ببعض ما التزم به تجاه الامارات...
قرار الإمارات مسيء وفيه استهتار كبير بكرامة التونسيين والتونسيات... ولكن ارتباك السياسة الخارجية التونسية وعدم التحصن بالموقف الوطني المستقل ورفض سياسة المحاور بشكل واصح وصريح... سيوقع بلادنا في مزيد من الاخطار خاصة وان صراع المحاور على أشده.
عثمان الحاج عمر