و لكن ما شهدته الإنسانية من تحولات متسارعة في السنوات الأخيرة و ما تعرفه حاليا من صراعات تؤشر على تغيرات كبرى يدعو إلى مساءلة بعض " البديهيات" و إلى التعامل النقدي مع " المسلمات " و خاصة منها تلك التي تتسرب إلى الوعي من خلال اللغة التي نستعملها لأن اللغة هي مسكن الوجود كما يرى هايدجر . أول البديهيات التي يتعين ، في تقديري المتواضع، مساءلتها هي اعتبار فلسطين مسألة لا تعني الا العرب و المسلمين و إلى حد ما الشعوب التي تواجه الاستعمار و الامبريالية. ذلك أن الفلسطينيين يواجهون عدوا يمثل حجر العثرة أمام الإستقرار العالمي و أمام خضوع السياسات الدولية للحد الأدنى من الأخلاقيات و الالتزام بقواعد قانونية تزيل العنف و الاستغلال و الاحتكار. الفلسطينيون هم في الصف الأول للدفاع عن الإنسانية بكل ثرائها و تنوعها و بكل اديانها بما في ذلك اليهودية لأن الصهيونية ليست عقيدة الدفاع عن اليهود و التعبير عن تطلعاتهم بل هي أحد أخطر أدوات القوى الاستعمارية و الرأسمالية للهيمنة على العالم و تكفي التصريحات المتتالية لرجال سياسة مسيحيي الديانة يؤكدون فيها أنهم صهاينة و آخرهم جو بايدن للتأكيد على ذلك . إنها أيديولوجية عنصرية و عرقية و استعمارية تستند إلى الخرافة وقع " ابتكارها " لضمان إستمرار مكون أساسي من مكونات الأيديولوجيا الرأسمالية و هو إستغلال الشعوب و إخضاعها من أجل مراكمة الأرباح. و بقاء الشعب الفلسطيني كآخر شعب يواجه الاستعمار المباشر في العالم دليل على ذلك. و ما هو أكثر من ذلك أن الحرص على استمرار المشروع الصهيوني كان وراء إعادة الوطن العربي إلى مرحلة الإستعمار المباشر كما تجلى ذلك في احتلال العراق سنة 2003. قد يعتبر البعض أن " التطبيع " مع الكيان الصهيوني هو الحل لأنه كفيل بادماجه في المنطقة بما يكفل توقي عدوانيته و " الإستفادة " من جوانب من تجربته في بعض المجالات. يكفي تقييم حصيلة مصر على سبيل المثال، و هي التي فتح نظامها باب التطبيع مع الكيان الصهيوني على مصراعيه، للتأكد من أن الترويج لهذا الكلام هو ترويج للوهم خاصة في السياق الحالي الذي أخذت الصهيونية تتحول فيه إلى عبء ثقيل على الشعوب التي فرض عليها احتضانها كالشعب الأمريكي و الشعوب الأوروبية. هناك إدراك لدى هذه الشعوب ما انفك يزداد بأن الصهيونية تحولت إلى أداة للحد من حرية التعبير و فرض ضرائب إضافية واقحام أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية في حروب و صراعات تكلف دافع الضرائب الكثير.
الفلسطينيون هم آخر حصن للانسانية في دفاعها عن القيم و في نضالها الدؤوب ضد كل أشكال انتهاك حقوق الإنسان و السعي إلى تكريس السلام العالمي و طالما لم يتمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة و على رأسها حق إقامة الدولة المستقلة و عاصمتها القدس و عودة اللاجئين فلن يكون هناك سلام و ستبقى الإنسانية أسيرة العنف و الكراهية و ازدواجية المعايير و لن تكون كل المواثيق الدولية إلا مجرد حبر على ورق و لن تكون المؤسسات التي تدعي التوق إلى علاقات دولية متكافئة ألا مجرد هياكل محنطة تعطي اسوء ما في الإنسان من جشع و عنف و كراهية.
هشام الحاجي