باتت المقاومة ومواجهة الاحتلال هي حديث الشارع الفلسطيني العام ومادتهم اليومية، تتصدرها أخبار مجموعة عرين الأسود وكتيبة جنين وغيرهما من الخلايا المستجدة الأصغر منها، لكنها لم تعد مجرد ثرثرةً عامةً وتحليلاتٍ ممجوجةً أو أخباراً متناقلة، بقدر ما أصبحت عملياتٍ متنقلةً ومحاولاتٍ مستمرةً، ويشهد العدو على أن عملياتها أصبحت جادةً وقوية، وظاهرة مقلقة ومزعجة، فما من يومٍ إلا ويشهد عمليةً جديدةً، لا تقتصر على الصوت والصدى، والبيان والخبر، بل يقتل فيها جنودٌ ومستوطنون إسرائيليون، ويجرح منهم الكثير، ويخضع بسبب كثرة العمليات العسكرية مستوطنوهم للحبس المنزلي، ويغلقون عليهم أبوابهم، ولا يخرجون من مستوطناتهم، التي يفرض في شوارعها أنظمة حظر التجوال، خوفاً من فدائيين يتسللون، ومقاومين يدخلون.
لا شيء يقلق الاحتلال أكثر من الحاضنة الشعبية والرعاية الوطنية، فالمقاومة البعيدة عن محيطها والغريبة عن وسطها، سرعان ما تنتهي وتذوب، وتذوي جذوتها وتزول، ولهذا فهو يلجأ بخبثٍ بكلامٍ معسولٍ وتصريحات ٍجوفاء إلى الفصل والتمييز بينهم، ويدعي أنه يستهدف العامة ولا يقصد قتل المواطنين، وهو في الحقيقة يستهدفهم ولا يميز بينهم، ويقتل المقاومين في الميدان تماماً كما يقتل المواطنين في الشوارع والطرقات، ويفرض الحصار القاسي والإجراءات المذلة المهينة على الشعب كله، ويمارس العقاب الجماعي بلا رحمةٍ ضد السكان جميعاً، صغارهم وكبارهم، وأطفالهم ونساءهم، ومرضاهم وأصحاءهم.
ربما تتمكن سلطات الاحتلال من تفكيك المجموعة وقتل أو اعتقال أعضائها، لكن خبراءهم والمسؤولين، والمتابعين والدارسين، وقادة الجيش وضباط الأجهزة الأمنية، يدركون تماماً أنهم لم يعودوا يواجهون مجموعةً عابرةً، أو حالةً نضالية مؤقتة، فقد نجحت مجموعة عرين الأسود، ومن قبل كتيبة جنين، في خلق حالةٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ عامةٍ، وشيوع مزاجٍ وطني شعبيٍ مقاوم، فإن خمدت نيران كتيبةٍ هنا، فإن نار سريةٍ هناك ستندلع، وجمر كتيبةٍ أخرى سيتقد، ولن تقف المقاومة عند جنين أو نابلس، ولن تجمد أشكالها على عرين الأسود وكتيبة جنين، فها هي جبع تشكل كتيبتها الجديدة، وتطلق عليها اسم "كتيبة جبع"، وغداً ستتشكل كتائب أخرى جديدة، وستنطلق سرايا مقاومة أخرى، يلتحق بها المقاومون، ويتنافس في العمل فيها الفلسطينيون، فلا يهنأ العدو كثيراً، ولا ينام ملء جفنيه طويلاً.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي