الجمعة، 22 نوفمبر 2024

نهاية دولة "الابارتهايد" الصهيونية!؟ مميز

17 ماي 2021 -- 14:19:31 498
  نشر في راي و تحليل

تونس/الميثاق/رأي

أنت لا تحتاج أن تكون ضعيفا وخائرا حتى تنهار. قد تنهار وأنت في قمّةِ القوّة والجبروت، كما انهار الاتحاد السوفياتي وهو يملك ثاني أكبر قوة نووية في العالم، أو كما انهار النظام العنصري في في جنوب افريقيا رغم امتلاكه السلاح النووي أيضا، أو فرنسا وبريطانيا الإمبراطوريتين الاستعماريتين اللتين لا تغيب عنهما الشمس، أو الولايات المتحدة في فيتنام وروسيا في أفغانستان. وكذلك دولة الكيان الصهيوني باعتبارها دولة "ابرتهايد" فهي بمنطق التاريخ وَككل كيان عنصري احتلالي بغيض غير قابل للاستدامة وآيل للسقوط لا محالة.

الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله في كتابه الشهير "الموسوعة الصهيونية" أثبت أن اسرائيل ليست أوّل تجربة استيطانية يخوضها بعض اليهود، وقدّر أنها ستنتهي كسابقاتها التي أقيمت عبر تاريخ الشتات اليهودي، على الرغم من ان سابقاتها كانت من الناحية المنطقية اكثر قابلية للاستمرار، على الاقل لطرفيتها الجغرافية أو غفلتها التاريخية، خلافا لهذا الكيان الذي أقيم في قلب الأمة العربية والإسلامية، احدى اهم أمم العالم وأعرقها، فضعف هذه الامم مؤقت وستستفيق عندما تقتضي الضرورة ويستفزها الخصوم والاعداء.

روجي غارودي المفكر الفرنسي المسلم، الذي استبق انهيار الامبراطورية الاستعمارية، وانحاز للقضية الجزائرية العادلة رفقة فرانس فانون وكثير من الكتاب والمثقفين الأحرار والانسانيين، تنبأ بذات النهاية للمشروع الصهيوني، وقال ان استدامته مستحيلة لأنه مؤسس على جملة من الخرافات والأساطير، وليس لكيان بهذه الماهية والطبيعة أن يستمر، ناهيك اذا كان قائما على نزعة عنصرية لا تتفق مع وجهة التاريخ الانساني، التي تحث الخطى نحو تثبيت الالتزام الكوني بمنظومة حقوق الانسان ونبذ الاحتلال والاستعمار.

من داخل هذا الكيان نفسه تعلو الأصوات المناهضة للعنصرية والاستعمار والصهيونية، فرئيس الكنيست السابق وابن احد مؤسسي الدولة العبرية، ابراهام بورغ، استشرف قبل سنوات مستقبل الكيان الحزين، ودعا مؤخرا الى عدم اعتباره مواطنا صهيونيا، وهو ذات الموقف الذي كرره، بل اثبته الكاتب الصحفي الشهير "اري شبيط" في كتابه الاستثنائي "أرض ميعادي..اسرائيل من النصر إلى المأساة"، والذي قدم فيه قراءة موضوعية لتاريخ الحركة الصهيونية عبر ما يزيد عن القرن من وجودها، وبيّن فيها "المأساة" المأزقية متعددة الابعاد التي انتهى إليها الكيان الصهيوني.

كثير من الفنانين والمثقفين الإسرائيليين أشاروا الى تفكك الدولة العبرية الحالي والمستقبلي، بالنظر الى طبيعته وسيرته المصطدمة مع التاريخ والجغرافيا، وسياسته الاحتلالية الاستيطانية المرفوضة إنسانيا. ناهيك عن أصوات الكثير من المتديّنين اليهود الذين عارضوا وما يزالون فكرة الدولة اليهودية معتبرين إياها مخالفة للتعاليم التوراتية الصحيحة التي حكم من خلال الرب على الشعب اليهودي بالشتات.

باحثون كثر في الدراسات الإسرائيلية يشيرون إلى نقاط ضعف قاتلة في الدولة العبرية، رغم مظاهر الصلف والعنجهية وزعم القوة التي لا تقهر، فبمنطق التاريخ ليس هناك قوة دائمة غير قوة الحق، ومن هذه النقاط هذه الاجيال الاسرائيلة الجديدة التي تحبُّ الحياة ولا ترضى لنفسها عيشة الخطر الدائم المحدق وروائح الموت التي تحيط بالمكان من كل مكان، وهي اجيال تختلف في تركيبتها الذهنية والنفسية والفكرية عن اجيال المؤسسين الذين تشربوا أفكار الصهيونية العنصرية، المزيج بين مقاربات قومية ودينية، ذات النزعة المثالية المغلقة، أؤلئك الذين قاتلوا في سياقات مغايرة، واستغلوا ظروف المنطقة ليتسربوا إليها كالنمل، وكان الغرب الاستعماري متواطئا معهم حينها لحاجته اليهم آنذاك.

هذا الغرب، كأي معطى تاريخي، قابل للتغيير والمراجعة، وقد ظهرت عليه علامات التغيير خلال السنوات الاخيرة. غالبية الأوربيين وربمّا الأمريكيين ايضا يشعرون اليوم بوطأة اسرائيل الفادحة، ولم تعد حكوماتهم وبرلماناتهم قادرة بسهولة على تبرير انحيازها لكيان عنصري يقتل الأطفال والمدنيين ويعادي جميع جيرانه ويعادونه. كما ان طفرة النفط آيلة للنهاية، ومعارك الغرب عادت موجهة الى الصين وروسيا وقوى دولية اخرى ناهضة في اطراف العالم من سباتها، فضلا عن متغيّرات ديمغرافية ملموسة في المجتمعات الغربية جراء نمو الأقليات العربية والمسلمة، اذ لم سعد برلمان غربي يخلو من نوّاب من اصول عربية مسلمة لا تخفي انحيازها للقضية الفلسطينية العادلة.

اسرائيل خسرت جميع حروبها منذ حرب العبور سنة 1973، وذاقت الذل والهوان في حروبها الاخيرة، خصوصا على ايدي حزب الله وحماس وفصائل المقاومة، وقد بدت ورطتها أوضح واكثر جلاء في حروبها مع غزّة. لم يعد لديها ذات الحجة عندما كانت تخوض حروبا كلاسيكية ضد مصر وسوريا، فكذبة الشعب الذي يريد جيرانه إلقاءه في البحر عادت كذبة مفضوحة لا تنطلي على أحد، والخطر المباشر لم يعد قادما من القاهرة أو دمشق أو بغداد أو حتى طهران التي نجحت في عدم الانجراف الى حرب مباشرة. الخطر على الكيان الصهيوني اصبح فلسطينيا صرفا، والردود على العدوان الغاشم اضحى من غزة ونابلس والقدس وحتى من اللد والبيرة وحيفا وعكا والناصرة، فقد ضاق المجال على القادة الصهاينة حتى اضحوا حيارى لا يعرفون من أين تأتيهم الصاعقة، وتلك هي الورطة التي لا مخرج لهم منها.

دوليا، المستقبل للقضية الفلسطينية. انها اخر قضية أممية لتصفية الاستعمار، ولن يفلح الفيتو الامريكي المعطل ولا المخاتلة الأوربية.. ستتعالى أصوات الأحرار الذين سيجدون في معاناة الفلسطينيين وحقارة الأبرتهايد العبري بوصلة لخوض بقية القضايا العادلة المطروحة على الانسانية، وستتراجع القوى الدولية المساندة لهكذا كيان استعماري وعنصري سلوكياته غير قابلة للتبرير، وستتزايد ضغوطات المنظمات الدولية غير الحكومية، منظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلين بلا حدود وسواها، وستكون مهمة الدولة العبرية في مواجهة كل هذا السخط العالمي مستحيلة.

الحل لن يختلف عن الحل الذي عرفته جنوب افريقيا، والفلسطينيون أغلبية في فلسطين التاري.

د.خالد شوكات

آخر تعديل في الإثنين, 17 ماي 2021 14:19

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة