كثير من الفنانين والمثقفين الإسرائيليين أشاروا الى تفكك الدولة العبرية الحالي والمستقبلي، بالنظر الى طبيعته وسيرته المصطدمة مع التاريخ والجغرافيا، وسياسته الاحتلالية الاستيطانية المرفوضة إنسانيا. ناهيك عن أصوات الكثير من المتديّنين اليهود الذين عارضوا وما يزالون فكرة الدولة اليهودية معتبرين إياها مخالفة للتعاليم التوراتية الصحيحة التي حكم من خلال الرب على الشعب اليهودي بالشتات.
باحثون كثر في الدراسات الإسرائيلية يشيرون إلى نقاط ضعف قاتلة في الدولة العبرية، رغم مظاهر الصلف والعنجهية وزعم القوة التي لا تقهر، فبمنطق التاريخ ليس هناك قوة دائمة غير قوة الحق، ومن هذه النقاط هذه الاجيال الاسرائيلة الجديدة التي تحبُّ الحياة ولا ترضى لنفسها عيشة الخطر الدائم المحدق وروائح الموت التي تحيط بالمكان من كل مكان، وهي اجيال تختلف في تركيبتها الذهنية والنفسية والفكرية عن اجيال المؤسسين الذين تشربوا أفكار الصهيونية العنصرية، المزيج بين مقاربات قومية ودينية، ذات النزعة المثالية المغلقة، أؤلئك الذين قاتلوا في سياقات مغايرة، واستغلوا ظروف المنطقة ليتسربوا إليها كالنمل، وكان الغرب الاستعماري متواطئا معهم حينها لحاجته اليهم آنذاك.
هذا الغرب، كأي معطى تاريخي، قابل للتغيير والمراجعة، وقد ظهرت عليه علامات التغيير خلال السنوات الاخيرة. غالبية الأوربيين وربمّا الأمريكيين ايضا يشعرون اليوم بوطأة اسرائيل الفادحة، ولم تعد حكوماتهم وبرلماناتهم قادرة بسهولة على تبرير انحيازها لكيان عنصري يقتل الأطفال والمدنيين ويعادي جميع جيرانه ويعادونه. كما ان طفرة النفط آيلة للنهاية، ومعارك الغرب عادت موجهة الى الصين وروسيا وقوى دولية اخرى ناهضة في اطراف العالم من سباتها، فضلا عن متغيّرات ديمغرافية ملموسة في المجتمعات الغربية جراء نمو الأقليات العربية والمسلمة، اذ لم سعد برلمان غربي يخلو من نوّاب من اصول عربية مسلمة لا تخفي انحيازها للقضية الفلسطينية العادلة.
اسرائيل خسرت جميع حروبها منذ حرب العبور سنة 1973، وذاقت الذل والهوان في حروبها الاخيرة، خصوصا على ايدي حزب الله وحماس وفصائل المقاومة، وقد بدت ورطتها أوضح واكثر جلاء في حروبها مع غزّة. لم يعد لديها ذات الحجة عندما كانت تخوض حروبا كلاسيكية ضد مصر وسوريا، فكذبة الشعب الذي يريد جيرانه إلقاءه في البحر عادت كذبة مفضوحة لا تنطلي على أحد، والخطر المباشر لم يعد قادما من القاهرة أو دمشق أو بغداد أو حتى طهران التي نجحت في عدم الانجراف الى حرب مباشرة. الخطر على الكيان الصهيوني اصبح فلسطينيا صرفا، والردود على العدوان الغاشم اضحى من غزة ونابلس والقدس وحتى من اللد والبيرة وحيفا وعكا والناصرة، فقد ضاق المجال على القادة الصهاينة حتى اضحوا حيارى لا يعرفون من أين تأتيهم الصاعقة، وتلك هي الورطة التي لا مخرج لهم منها.
دوليا، المستقبل للقضية الفلسطينية. انها اخر قضية أممية لتصفية الاستعمار، ولن يفلح الفيتو الامريكي المعطل ولا المخاتلة الأوربية.. ستتعالى أصوات الأحرار الذين سيجدون في معاناة الفلسطينيين وحقارة الأبرتهايد العبري بوصلة لخوض بقية القضايا العادلة المطروحة على الانسانية، وستتراجع القوى الدولية المساندة لهكذا كيان استعماري وعنصري سلوكياته غير قابلة للتبرير، وستتزايد ضغوطات المنظمات الدولية غير الحكومية، منظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلين بلا حدود وسواها، وستكون مهمة الدولة العبرية في مواجهة كل هذا السخط العالمي مستحيلة.
الحل لن يختلف عن الحل الذي عرفته جنوب افريقيا، والفلسطينيون أغلبية في فلسطين التاري.
د.خالد شوكات