الأربعاء، 30 جويلية 2025

الإعلام وحقوق الإنسان: مجتمع الميم عين++ في تونس خارج نطاق التغطية العادلة مميز

29 جويلية 2025 -- 10:37:26 47
  نشر في وطنية

رغم النقلة النوعية التي شهدها المشهد الإعلامي من حيث تنوع المنصات وتوسّع هامش التعبير، إلا أن قضايا مجتمع الميم عين ++ لا تزال تُعالج – إن عولجت أصلاً – ضمن زاوية ضيقة، مشوهة، أو صامتة.

ففي إعلام يُفترض أنه يعكس التنوع، تغيب أصوات المثليين، مزدوجي الميل، العابرون/ات وغير المعياريين جندرياً، إلا في مواسم الفضائح أو الجرائم أو التصريحات الصادمة، بحثا عن نسب المشاهدة و ترويجا لخطاب الكراهية و التحريض بين أفراد المجتمع.

لكن ماذا يعني هذا الصمت الإعلامي؟ وما انعكاساته على وعي الجمهور، وكرامة الأفراد، والمناخ الحقوقي العام؟ ولماذا يستمر هذا التهميش رغم التقدم النسبي في مناخ الحريات؟

 

 إعلام لا يرى... ولا يريد أن يرى

 

وفق دراسة تحليل مضمون، صدرت سنة 2021 عن جمعية "دمج"، لم تتجاوز التغطيات الإعلامية المتعلقة بقضايا مجتمع الميم عين ++ نسبة 0.3% من مجموع المواضيع الحقوقية التي تم تناولها بين 2015 و2020 في خمس وسائل إعلام جماهرية بتونس.

 وعند الحضور، يكون غالباً في شكل تقارير سطحية، تتناول الموضوع من زاوية "الظاهرة"، "الفضيحة"، أو الجريمة الأخلاقية، دون محاولة لفهم الخلفية الحقوقية أو القانونية أو الاجتماعية.

الإعلام المرئي، خصوصاً، هو الأكثر تشويهاً. فبرامج "ال Show" التلفزيوني تحوّل أحيانًا الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي إلى مادة للسخرية، التنمر أو الإثارة. في هذا السياق، تقول "وسيلة" (اسم مستعار)، وهي عابرة جندريا:

"أذكر جيداً كيف استدعيت لبرنامج حواري سنة 2019، وقيل لي إن الموضوع عن 'التمييز في العمل'. في الواقع، حوّلوني إلى مادة فرجة، أسئلة فجة عن جسدي، عن حياتي الجنسية، ثم مقاطع مجتزأة جعلتني أبدو ككائن غريب. شعرت أنني أُغتصب إعلامياً".

 

 الرقابة الذاتية... وخوف من رد الفعل

لا يمكن إنكار وجود صحفيين وناشطين حاولوا كسر الصمت. لكن أغلبهم اصطدموا بجدار الرفض التحريري، أو التهديدات الاجتماعية. تقول صحفية شابة فضلت عدم الكشف عن اسمها:

"كتبتُ تحقيقًا عن الاعتقال التعسفي للمثليين في تونس العاصمة. مدير التحرير رفض النشر، الصحافة في تونس تشتغل أحياناً بمنطق السوق، والخوف من الهجوم أقوى من صوت الضمير المهني".

هذا الخوف يعكس هشاشة البيئة القانونية. فرغم أن دستور 2022 لا ينص صراحة على تجريم المثلية، لكنه يحمي الحريات الفردية للمواطن، فإن الفصل 230 من المجلة الجزائية لا يزال يُجرّم "اللواط والمساحقة"، بعقوبة تصل إلى 3 سنوات سجنًا. 

فهذا الفصل يُستعمل كسيف مسلط على رقاب الأفراد وأحيانًا الصحفيين، خاصة حين يتعلق الأمر بالنشر أو التوعية.

 

بين الصمت والانتهاك: الواقع بالأرقام

في تقريرها لسنة 2023، وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكثر من 30 حالة اعتقال تعسفي على أساس الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي في تونس. كما كشفت عن حالات تعذيب وفحوص شرجية قسرية رغم تعهدات الدولة بوقفها.

تقرير لـ "الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان" سنة 2022، أشار إلى أن 80% من أفراد مجتمع الميم عين++ في تونس، يفضلون عدم التوجه إلى وسائل الإعلام عند تعرضهم للانتهاك، خوفاً من التشهير أو التحريف.

الناشطة والصحفية "أُنس بوغشّة" كانت من بين الأصوات القليلة التي تطرقت للموضوع من منظور حقوقي. تقول في تصريح سابق:

"قضية مجتمع الميم ليست قضية جنسية، بل قضية كرامة. الصحافة التي تخشى طرح المسكوت عنه ليست صحافة، بل مجرد انعكاس للرقابة المجتمعية."

في بارقة الأمل نجد ضالاتنا عند المنصات المستقلة أو ما يعرف بالإعلام البديل، مثل نواة ،إنكفاضة، إنحياز، رشمة و غيرها. قدّمت تغطيات أكثر احترامًا، تعتمد على شهادات مباشرة وتحقيقات معمقة، لكنها لا تزال خارج الرادار الجماهيري الواسع بسبب ضعف الانتشار والخوف من وصم المنصة نفسها.

كما تتقاطع تقارير وسائل دولية (BBC، DW، France24...) مع قصص من تونس تسلط الضوء على الانتهاكات، لكنها تواجه داخليًا اتهامات بـ"استهداف صورة البلد" أو "فرض أجندات خارجية".

 

نحو تغطية أكثر عدلاً: ما العمل؟

من الضروري إطلاق ميثاق أخلاقي إعلامي يحثّ على احترام التعدد الجندري والجنسي.

-         دعم الصحفيين/ات بالتكوين في مفاهيم حقوق الإنسان والهوية الجندرية.

-         تعزيز دور "الهايكا" في مراقبة الخطاب التمييزي في البرامج التلفزية.

-         إلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية كمقدمة ضرورية لتحرير النقاش.

الإعلام ليس فقط مرآة المجتمع، بل هو أيضًا من يصنع صورته الذاتية. وتغييب قضايا مجتمع الميم عين ++ لا يعني فقط صمتًا، بل هو تكريس للوصم، وترسيخ للتمييز، وشراكة غير معلنة في الانتهاك.

ربما لا يُطلب من الإعلام أن يكون ناشطًا حقوقيًا، لكن يُطلب منه أن يكون إنسانيًا، عادلًا، وملتزمًا بمبدأ أن الكرامة و الحقوق  لا تتجزأ.

لكن إن كانت الصحافة مرآة المجتمع، فهل آن الأوان أن تعكس وجهًا أكثر عدلًا وجرأة؟

 

اسكندر صكوحي

آخر تعديل في الثلاثاء, 29 جويلية 2025 10:55

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة