الرقابة الذاتية... وخوف من رد الفعل
لا يمكن إنكار وجود صحفيين وناشطين حاولوا كسر الصمت. لكن أغلبهم اصطدموا بجدار الرفض التحريري، أو التهديدات الاجتماعية. تقول صحفية شابة فضلت عدم الكشف عن اسمها:
"كتبتُ تحقيقًا عن الاعتقال التعسفي للمثليين في تونس العاصمة. مدير التحرير رفض النشر، الصحافة في تونس تشتغل أحياناً بمنطق السوق، والخوف من الهجوم أقوى من صوت الضمير المهني".
هذا الخوف يعكس هشاشة البيئة القانونية. فرغم أن دستور 2022 لا ينص صراحة على تجريم المثلية، لكنه يحمي الحريات الفردية للمواطن، فإن الفصل 230 من المجلة الجزائية لا يزال يُجرّم "اللواط والمساحقة"، بعقوبة تصل إلى 3 سنوات سجنًا.
فهذا الفصل يُستعمل كسيف مسلط على رقاب الأفراد وأحيانًا الصحفيين، خاصة حين يتعلق الأمر بالنشر أو التوعية.
بين الصمت والانتهاك: الواقع بالأرقام
في تقريرها لسنة 2023، وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكثر من 30 حالة اعتقال تعسفي على أساس الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي في تونس. كما كشفت عن حالات تعذيب وفحوص شرجية قسرية رغم تعهدات الدولة بوقفها.
تقرير لـ "الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان" سنة 2022، أشار إلى أن 80% من أفراد مجتمع الميم عين++ في تونس، يفضلون عدم التوجه إلى وسائل الإعلام عند تعرضهم للانتهاك، خوفاً من التشهير أو التحريف.
الناشطة والصحفية "أُنس بوغشّة" كانت من بين الأصوات القليلة التي تطرقت للموضوع من منظور حقوقي. تقول في تصريح سابق:
"قضية مجتمع الميم ليست قضية جنسية، بل قضية كرامة. الصحافة التي تخشى طرح المسكوت عنه ليست صحافة، بل مجرد انعكاس للرقابة المجتمعية."
في بارقة الأمل نجد ضالاتنا عند المنصات المستقلة أو ما يعرف بالإعلام البديل، مثل نواة ،إنكفاضة، إنحياز، رشمة و غيرها. قدّمت تغطيات أكثر احترامًا، تعتمد على شهادات مباشرة وتحقيقات معمقة، لكنها لا تزال خارج الرادار الجماهيري الواسع بسبب ضعف الانتشار والخوف من وصم المنصة نفسها.
كما تتقاطع تقارير وسائل دولية (BBC، DW، France24...) مع قصص من تونس تسلط الضوء على الانتهاكات، لكنها تواجه داخليًا اتهامات بـ"استهداف صورة البلد" أو "فرض أجندات خارجية".
نحو تغطية أكثر عدلاً: ما العمل؟
من الضروري إطلاق ميثاق أخلاقي إعلامي يحثّ على احترام التعدد الجندري والجنسي.
- دعم الصحفيين/ات بالتكوين في مفاهيم حقوق الإنسان والهوية الجندرية.
- تعزيز دور "الهايكا" في مراقبة الخطاب التمييزي في البرامج التلفزية.
- إلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية كمقدمة ضرورية لتحرير النقاش.
الإعلام ليس فقط مرآة المجتمع، بل هو أيضًا من يصنع صورته الذاتية. وتغييب قضايا مجتمع الميم عين ++ لا يعني فقط صمتًا، بل هو تكريس للوصم، وترسيخ للتمييز، وشراكة غير معلنة في الانتهاك.
ربما لا يُطلب من الإعلام أن يكون ناشطًا حقوقيًا، لكن يُطلب منه أن يكون إنسانيًا، عادلًا، وملتزمًا بمبدأ أن الكرامة و الحقوق لا تتجزأ.
لكن إن كانت الصحافة مرآة المجتمع، فهل آن الأوان أن تعكس وجهًا أكثر عدلًا وجرأة؟
اسكندر صكوحي