كشفت منظمة حلف الأطلسي “الناتو” عن عزمها إقامة مركز استخباراتي في تونس يعمل على الدعم اللوجستي والتدريبي والتقني للقوات العسكرية التونسية في حربها ضدّ الإرهاب، يميط اللثام عن اضطراب ولخبطة وعدم وضوح في الأداء السياسي للدولة التي أبرمت اتفاقا مع الأطلسي لإرساء مركز دون العودة إلى سلطة القرار الأصلية الكامنة في مجلس النواب، وبلا تشريك للفاعلين المدنيين، وبلا استشارة للرأي العام المحلي. ذلك أنّ إعلان قرار إحداث المركز جاء من المنتظم الأطلسي ودون استشارة للفاعل الرسمي في تونس الذي أصدر بيانا “يتكلم ولا يفصح عن شيء” حضرت فيه جميع مفاهيم التعميم وأوصاف الإطلاق دون أن يؤكد معلومة أو ينفيها، وتلك مصيبة اتصالية في تونس ما بعد 14 يناير 2011.
من الواضح أنّ الأطلسي بات يخطّط جديا لسيناريو محاربة الجماعات التكفيرية في منطقة الساحل الأفريقي وشمال أفريقيا، لا سيما وأنّ دولة في حجم ليبيا باتت اليوم معقلا رئيسيا للمجموعات الإرهابية ومركزا لتكوين الإرهابيين وإرسالهم قنابل موقوتة وسيارات مفخخة إلى بلدانهم الأصلية خاصة وأنّ الحملة العسكرية التي دشنّتها القوات الشرعية التابعة لخليفة حفتر في الشرق وقوات المجلس الرئاسي في الغرب لم تؤت أكلها الميداني ولم تقض على تنظيمات داعش ومجلس الشورى وغيرها من التنظيمات التكفيرية.
في آخر تصريح لأمين عام الناتو أكد ينس ستوليتنبرغ أنّه لا وجود لتدخل أطلسي في ليبيا دون طلب رسمي من حكومة الوفاق برئاسة فايز السرّاج. تيقن الناتو أنّ الحكومة باتت اليوم جزءا من الانقسام الليبي الذي بات بثلاثة رؤوس تدعي كلّها الشرعية الانتخابية والتوافقية، وأنّ تأمين سيادتها على مؤسسات الدولة أمر محال، وهو ما قد يفسّر جزئيا قفز الناتو على شرط المطلبية الليبية للتدخل العسكري ضدّ الدواعش.
يريد الناتو من تونس قاعدة متقدّمة لتدريب القوات الليبية، وقاعة عمليات لشنّ حربه ضدّ الجماعات التكفيرية، ومركزا لتبادل المعلومات والتنسيق المشترك مع قاعدة أفريكوم في السنغال، التي نالت قبول الرئيس السنغالي في ظل رفض شعبي ومدني كبيرين، وفضاء للتدخل المبكر والاستباقي ضدّ قوارب الهجرة غير الشرعية من ليبيا نحو السواحل الأوروبيّة.
تبتغي تونس من الأطلسي، تجربة عسكرية في محاربة الإرهاب ومعونة استخباراتية في ضرب الجماعات التكفيرية التي تعتمد أسلوب حرب العصابات في الهجوم والدفاع وتقنية الجيوش النظامية في السيطرة على المدن والقرى، خاصّة وأنّ سعي داعش الإرهابي إلى السيطرة على مدينة بنقردان في مارس المنقضي أثبت أنّ التنظيم يريد قضم جزء من الجغرافيا التونسية، واستنساخ نموذج الموصل وسرت بشكل يستجيب مع الطبيعة الاستراتيجية الإقليميّة.
سيناريو عودة الآلاف من الإرهابيين التونسيين من سوريا والعراق، بعد اكتسابهم خبرات قتالية في محاربة القوات النظامية والميليشيات، لا يزال يعصف بذهن المسؤولين التونسيين لا سيما وأن البروفة الأولى الكامنة في بنقردان كانت بتنفيذ العشرات من الإرهابيين التونسيين الذين قاتلوا في ليبيا، ولئن انتصرت تونس شعبا وجيشا في الجولة الأولى من حرب المكاسرة ضدّ الدواعش، فإنّ المعركة لا تزال مستمرة ومفتوحة أيضا على كافة الفرضيّات.
لا يبدو أنّ تونس ناقشت موضوع القاعدة الاستخباراتية الأطلسيّة مع جيرانها في المغرب العربي، ولن نجانب الصواب إن أكدنا أنّ المسألة ستثير الكثير من الحساسيات وستزيد من حالة البرود السياسي والإستراتيجي بين تونس وباقي دول المغرب العربي التي عادة ما تنزّل مثل هذه الإجراءات في سياق توازناتها السياسية المحليّة وضرب الأمن المغاربي في مقتل.
من حق تونس أن تبحث عن شركاء لمحاربة الإرهاب وتأمين استقرارها، ولكن دون أن يكون هذا الشريك بديلا عن الجيران الإستراتيجيين، ودون أن يتحوّل أيضا إلى عامل من عوامل القلق والريبة والتململ ضمن الفضاء المغاربيّ.
على متخذ القرار في تونس الذي سمح بهذه القاعدة أن يجيب الرأي العام المحلي عن 3 أسئلة جوهرية وهي: متى تمّ هذا الاتفاق وبأي فاتورة؟ لماذا الأطلسي وليس أي منظمة دولية أخرى؟ وأخيرا لماذا لا نعتبر من عجز الأطلسي عن حسم أي معركة ضدّ الإرهاب من العراق إلى سوريا إلى الصومال، وليس انتهاء باليمن وأفغانستان وباكستان ومالي؟
أسئلة في رسم منفّذ القرار التونسي إذ يبدو أنّه ليس صاحبه أو سيّده