الأحد، 08 سبتمبر 2024

مختلفون لكن مبدعون مميز

10 جويلية 2024 -- 21:43:43 277
  نشر في حوارات

بقلم :  حسان النابتي

يقول عالم الفيزياء البريطاني ستيفين هوكينغ الذي قدم الكثير من الإنجازات للبشرية رغم إعاقته في واحدة من أفضل الجمل التي توجه بها لذوي و ذوات الإعاقة “نصيحتي للآخرين من ذوي الإعاقة هي : ركزوا على الأشياء التي لا تعيقكم عن إصابتكم عن فعلها بشكل جيد، ولا تشعروا بالألم  في التخلي عن الأشياء التي تمنعكم الإعاقة عن فعلها. لا تجعلوا إعاقتكم تمتد إلى أرواحكم كما وصلت إلى أجسادكم.”

النصيحة التي توجه بها عالم الفيزياء لم تكن مجرد تنظير، حيث يعج العالم بنماذج تمكنوا من البروز والنجاح في شتى المجالات على اختلافها.

 

ميساء بن ميم هي شاعرة تونسية حولت إعاقتها البصرية إلى طاقة فنية فأبدعت في كتابة الشعر والقصة وتحصلت على العديد من الجوائز والتكريمات كما قدمت محتوى أدبي تعليمي في مواقع التواصل الإجتماعي. وفي ما يلي حوار مفصل للتعرف على هذه الشخصية الفريدة.

 

من هي ميساء ؟ حدثينا عن نفسك

 

اسمي ميساء بن ميم عمري 17 عاما تلميذة بمعهد المكفوفين بسوسة أهوى كتابة القصص  والقصائد العمودية وتطوير التراث الشعبي التونسي وحاصلة على عدة جوائز في هذه المجالات.

 

ماهي التحديات التي تواجهينها داخل محيطك بإعتبارك من ذوات الإعاقة ؟

 

من أهم التحديات قلة الكتب سواء المدرسية أو المطالعة الحرة بطريقة برايل ما جعلني ألجأ إلى الكتب المسموعة التي أصبحت لا تفي باحتياجاتي المتزايدة لكن على الإنسان أن يهدم سور الحواجز الذي يحول بينه وبين  الإبداع ويبني من حجارته جسرا يعبره إلى طريق المجد وهذا ما أسعى إليه

 

في بعض الأحيان قد يحتاج التصالح مع واقعك وتقبله والانخراط في علاقات اجتماعية موسعة دون الإنغماس في العزلة أو التقوقع على الذات إلى قوة ومجهود مكثف، حدثينا عن تجربتك ؟

 

لم أحتج إلى مجهود مكثف للاندماج في المحيط الاجتماعي ذلك أنني منذ السادسة من عمري انفصلت عن أسرتي لأقيم بالمبيت الداخلي للمدرسة الابتدائية النور للمكفوفين بسوسة فكنت لا أعود إلى البيت إلا نهاية كل أسبوع فكونت علاقات خارج محيط العائلة ومنذ بدأت نشاطي على وسائل التواصل الاجتماعي تعرفت إلى أشخاص من معظم أنحاء العالم العربي. .

 

علاقة ميساء بالإبداع والفنون، الأدب على وجه الخصوص ؟

الفنون تمثل بالنسبة إلي تاريخ الشعوب الذي تمرد على سجن الأرقام ليظهر لنا في تجليات رائقة تبرز الجانب الإنساني  لأفراد كل أمة وتطبع ثقافتها بطابع من الرقة الأخاذة وتضفي عليها رونقا بهيا من الإحساس الفياض. والأدب يشترك مع بقية الفنون في هذا إلا أنه أقرب إلى نفسي بما يتطلبه إتقانه من مقدرة لغوية عظيمة وزخرفة بلاغية تجعله أقرب إلى القلوب منه إلى العقول.  وأنا أَعُدّ الفنون خاصة الأدب مرايا للمجتمعات وسبلا ممهدة لتطويرها.

هل تعتبرين كتابة الشعر هي الوسيلة الملائمة للتعبير عن دواخلك وفرض مكانتك في الفني أم أنها فقط تعدّ مهربا ومتنفسا ملائما تبثين فيه كل ما تشعرين به ؟

كتابة الشعر و القصص أيضا  تجمع بين هذين الغرضين لأن مشاعري لا يمكن أن تنفصل عن مجتمعي وبالتالي فإصلاح ما أشاهده من خلل فيه تحقيق لمكانتي الفنية التي أرجوها.

 

ما تكتبينه هل هو كتابة ذاتية إنفعالية أم كتابة متخارجة عنك تعبر عن الآخر وعن المحيط ؟

انفعالات الكاتب تنتج عما يحدث حوله مما يفرح أو يحزن أو يبث الحماس في نفسه ولهذا لا نستطيع الفصل بين أحاسيس الكاتب وما يضطرب حوله من أحداث وبالتالي فإن الكتابة عندي تجمع بينهما.

حسب علم النفس يعتبر التفريغ الكتابي من الوسائل الهامة التي تساعد على التخلص من كل الأفكار والمشاعر السلبية، هل تجدين في الكتابة وسيلة ملائمة للحفاظ على التوازن النفسي ؟

 

لا شك أن الكتابة تشمل الجانب النفسي وتحقق التوازن ولكنها لا تقتصر على هذا بل تعَد محاولة إصلاحية لتغيير السلبيات في المجتمع ولو كانت مزية الكتابة الوحيدة في تحقيق التوازن النفسي لما نشر أحد ما كتبه إلا أنها  أعمق من ذلك .

يحتاج الجلوس أمام الكاميرا وتقديم محتوى ثقافي لجمهور متنوع  من رواد مواقع التواصل الإجتماعي إلى مقدار عال من الثقة بالنفس والثبات ما لاحظته أنك تتمتعين بهاتين الصفتين، كيف كان أثر تفاعلات رواد مواقع التواصل الإجتماعي عليكِ ؟

 

من الطبيعي أن ينتظر المرء ثمرة ما يقدمه وبالتالي فإن تفاعل الناس يهمني حيث يزيد من سعيي إلى  أن يكون المحتوى الذي أنشره  على قدر  ما  يرجونه من الرقي كما أوظف ملاحظاتهم في تعديل بعض الأشياء

دراسيا وفنيا ماهي أهم طموحات ميساء مستقبلا ؟

أطمح إلى أن أنال شهادة من المعهد التحضيري العالي في اللغة الإنجليزية “préparatoire”لأنها الأكثر ازدهارا في سوق الشغل حاليا وبعد أن أضمن عملا كأستاذة تعليم ثانوي أتفرغ لإعداد رسالتي الماجيستير والدكتورا في اللغة العربية لأنها صاحبة المكانة العليى في نفسي،...أما على  المستوى الفني فألخص طموحي في أن يكون لي أثر خالد في التاريخ وبصمة خاصة في الأدب والشعر لأن قيمة حياة الإنسان لا يجب أن تقتصر على فترة عيشه بل لا بد أن تظل ثابتة راسخة في عقول الناس بإنجازاته   بعد وفاته  وأستحضر هنا قول الشافعي “قد مات قوم وما ماتت فضائلهم

عميد الأدب العربي طه حسين هو الآخر كان من ذوي الإعاقة لكنه أبدع في مجال الأدب وترك إرثا أدبيا هاما، هل تربن فيه نموذجا ناجحا يُقتدى به ؟

 

الاقتداء هو انتقاء الإيجابيات في شخصية الفرد واتباعها وليس التقليد الأعمى ومميزات الدكتور طه حسين في صلابته وبلاغته وابتعاده في وصف مشاهد الحب عن الابتذال ولا يمنعني إعجابي بكل هذا أن أختلف معه في بعض مواقفه وأن تكون لي نظرتي الخاصة للأمور

من الأشخاص الذين كانوا مصدرا للدعم والتشجيع وساندوا اختيارك دخول المجال الأدبي ؟

 

لا يمكن أن أنسى فضل خالي الذي كان يقرأ لي الكتب منذ الخامسة من عمري وأستاذ التعليم الابتدائي  الذي درسني اللغة العربية وعلمني كيفية استغلال الآنترنات في البناء والبحث السيد الجليل أحمد بخائرية والسيدة أم هاني بوهجة التي كانت تشرف على نادي المطالعة في المدرسة وشجعتني على المشاركة في أول مسابقة لي “الأديب الصغير دورة سنة 2015 التي نظمتها وزارة التربية

 

لا يخلو الوسط الثقافي التونسي من النقد الهدام والتجريح، ماهو تأثير الإنتقادات السلبية عليك ؟ وهل شكلت ببعض الفترات مانعا في استمرارك نحو هدفك ؟

لا يخلو أي انتقاد مهما كان غرضه  سلبيا من شيء من الصدق ولهذا أدرس هذا النوع من النقد وأحاول أن أتبين ما هو حقيقي من النقائص. ولكن هذا الأسلوب في تقييم الكتب  لم يصادفني ولو حدث لما منعني من مواصلة الكتابة فمن يجرّحون الأدباء يريدونهم أن يتوقفوا عن محاولات إصلاح المجتمعات ولا أسمح لأحد أن يعوقني عن نشر الفكر  الذي أراه راقيا ومفيدا للقراء.

 

هل تعتبرين الفن وسيلة لكسب مكانة مرموقة وقيمة ثابتة تُبرزين به تفردك داخل مجتمعك أم أنه طريق نحو البحث عن والشهرة وكسب المال ؟

الفن أعمق وأرقى من أن تقتصر فائدته على الشهرة والمال طبعا لا يستطيع أحد أن ينكر هذا الجانب المادي ولكننا نشاهد من يحضى بهما وهو تافه ويروج للسخف والانحطاط  ويطلق الناس على منتوجه اسم “الفن المبتذل” وأنا أعترض على هذه التسمية لأنها متناقضة فلا يعد  المنتج  فنا إلا إذا كان ساميا بناء أما توظيف الوسائل الفنية في الرذائل ونشر الجهل فتسمى “إغواء”.ولذا فقيمة الفن تكمن في ارتقائه بالروح والعقل عندها يكون مقدمه أهلا لما ينال من مجد ومكانة.

الدوافع الخفية وراء اختيارك كتاب الشعر هل هي دوافع نفسية بالأساس ؟ وإن كانت غير ذلك فماهي ؟

كل شاعر وكاتب يسكنه هدف يسيطر على مشاعره ويتملك كيانه وهو سد  الفجوات الفكرية في المجتمع ومعالجة مواطن الخلل فيه والتعبير عما يجيش به القلب من عواطف  كحب الوطن والغزل والحزن... فيلتقي تبعا لذلك الجانب النفسي بالجانب العقلي ويشكلان قصيدا أو قصة أو أي عمل فني.

كونك ذو إعاقة بصرية  لم يكن عائقا يمنعك من تقديم محتوى أدبي مميز على شكل حلقات مسترسلة ومنظمة، مما يعكس قوة في الشخصية وذكاء وتحدّ لواقعك ماهو تعليقك ؟

تقديم البرامج يحتاج  رحابة صدر وصبر على البحث وسعة اطلاع    وهذا ما أحاول دائما تنميته في نفسي أما الجلوس للتصوير فيتطلب تصالحا مع الذات ورغبة في التطوير  الإيجابي وهو ما أحمد الله عليه

هل سبق وتعرضت للتنمر من طرف أصدقائك أو زملائك بالمدرسة والمعهد ؟ إن كان الجواب نعم كيف كان تأثير ذلك عليك ؟

بفضل الله لم أتعرض إلى التنمر لأن كل من عرفت يفكرون برقي وتحضر وفي تعاملي مع الناس أحاول ألّا أترك فرصة للمتنمرين ولكنني أود أن أقول لمن يواجهون هذا المشكل أن المستهزئ بهم يريد أن يحط من عزائمهم فعليهم ألّا يرضخوا لأمواج العواطف تتلاعب بقلوبهم كم تشاء والمتنمر في أغلب الأحيان ضحية إحساس مميت بالنقص ينعكس على المحيطين به لكي لا يشعر أنه وحده الفاشل

خلال تجربتك الفنية ماهو أجمل موقف حصل معك ؟

ذهبت مرة إلى مدرسة ابتدائية بمنطقة داخلية وقدمت قصتي “الحق المسلوب” للتلاميذ خلال حصة دراسية وفي نهاية الجلسة قدموا لي كوب فخاريا نقش عليه اسمي وكان يعتذرون لبساطة الهدية ولكنني عَددتها أجمل ما تلقيت من القراء وأنا محتفظة بالكأس إلى الآن لأن السعادة تكمن في الأشياء المتواضعة.

ماهو أسوء موقف حصل معك ؟

لم يصادفني موقف سيئ والحمد لله

كلمة الختام ولمن تتوجهين بالشكر ؟

أوجه  الشكر لكل من دعمني ولمتابعيَّ الذين يخصصون دقائق ثمينة  من وقتهم لمشاهدة ما أقدمه وللجريدة المكرمة على إفساح المجال لي لبث آرائي ولك لإتاحة فرصة هذا الحوار الراقي

 

هذا العمل أنجز في إطار مشروع " من أجل تحسين وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الخدمات والحقوق في تونس "  من تنفيذ وزارة الشؤون الإجتماعية بالتنسيق مع وزارة الأسرة والمرأة والطفل وكبار السن ( MFFE#) والديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (ONFP#) وبالشراكة مع تمثيلية صندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس  UNFPA# منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة UNESCO# مفوضية  الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان HCDH# ومنظمة الأشخاص ذوي الإعاقة ، لاسيما جمعية إبصار IBSAR# والمنظمة التونسية  للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة OTDDPH#

وسائط

المزيد في هذه الفئة : « الماشون على طريق الاشواك

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة