الأحد، 08 سبتمبر 2024

الماشون على طريق الاشواك مميز

10 جويلية 2024 -- 21:34:06 139
  نشر في حوارات

بقلم : حسان النابتي

تختلف الإعاقات ما بين إعاقات نفسية وجسدية، وقد تمكن العديد من متحدي الإعاقة من إبهارنا  وخطوا أسماءهم بأحرف من ذهب في الذاكرة العالمية في مجال السينما والتلفزيون والرسم والأدب والموسيقى وغيرها من الفنون فتحولوا إلى نجوم ساطعة في سماء الإبداع  مثل  بيتر دينكلاج، منيبة مزاري، بيتهوفن، فريدا كاهلو وطه حسين.

شمس هي شابة تونسية من ذوات الإعاقة البصرية  فقدت بصرها  في سن مبكرة من مرحلة الطفولة لكن ذلك  لم  يمنعها من البروز كشخص مؤثر، حيث درست الموسيقى والمسرح وأبدعت في العزف على البيانو فخلقت  لنفسها مساحة خاصة واوجدت  مكانا لها في الوسط الثقافي التونسي.

كان هذا حوارنا معها

-          من تكون شمس ؟ حدثينا عن نفسك.

 

-          أنا شمس فتاة  18 سنة تعرضت في طفولتي وتحديدا في سن 5 إلى صدمة عاطفية أفقدتني البصر لكنني لم أجعل هذا الفقدان يكون عائقا لمواصلة حياتي كما أن حبي للفن طغى على كل شيء وجعلني متفردة في محيط عيشي وكذلك حبي للدراسة وتحصلي على معدلات متميزة جعلني أتحدى كل شيء وأنسى كل ماهو جارح حين أسعد أمي

-          ماهي التحديات التي واجهتها داخل  المجتمع التونسي بإعتبارك من ذوات الإعاقة ؟

-          يواجه ذوو الإعاقة تحديات عديدة  في حياتهم اليومي وعلى سبيل المثال فالإنسان من ذوي الإعاقة البصرية يجد صعوبة في عبور الطريق أوالبحث عن سيارة أجرة مما يجعله بحاجة للأخرين وهناك تحديات حتى في الوسط العائلي للتعامل مع ضرورياته المعيشية أو القيام ببعض الأشياء التي لا يمكنه فعلها و من خلال تجربتي فان  الإنسان من ذوي الاعاقة لا بد من التأقلم مع محيطه والعمل على ايجاد حلول للتحديات التي يواجهها  حتى يعيش حياة عادية مثل الانسان السوي

-          في مثل حالتك يحتاج التصالح مع واقعك وتقبله والانخراط في علاقات اجتماعية موسعة داخل محيطك دون الإنغماس في العزلة أو التقوقع على الذات إلى قوة ومجهود مضاعف ، حدثينا عن تجربتك ؟

-          نعم من الضروري الإنخراط في المجتمع وتقبل مختلف جوانبه وعدم الإنغماس والتقوقع على الذات ليكون مجالا لفرض الذات وإنشاء علاقات مختلفة مع الأخرين المباشرة وغير المباشرة لكسر الحواجز التي تعتقد أن الإنسان ذو إعاقة بصرية غير قادر على التعامل مع مختلف الناس لأنه في بعض الأحيان يحتاج إلى الأخرين لقضاء  الضروريات و قد تكون يومية بالأساس و بالتالي تؤدي إلى رفض العنصرية أو إنعدامها من محيط عيشه و تجربتي بالأساس أحتوت على كل هذه الوسائل لفرض وجودي

-          ماهي علاقتك بالإبداع والفنون وخصوصا الموسيقى ؟

 

- الفن بالنسبة لي هو فكر واحساس، فمن خلال الموسيقى أستطيع التعبير عن ما يخالج نفسي من مشاعر قد تكون مختلفة أو متناقضة،  كذلك المسرح الذي يعتبر عالمي الثاني الخالي من كل التأثيرات السلبية  وبالتالي فالإبداع هو دافعي للحياة وللاستمرار . 

- من خلال  نظرتك للجانب المبدع في شخصيتك، هل تعتبرين العزف على البيانو الوسيلة الملائمة للتعبير عن دواخلك وفرض مكانتك في الوسط  الفني أم هو ملجأ     تبثين فيه آلامك ومشاعرك ؟

- نعم العزف على البيانو وسيلة لفرض مكانتي الفنية وللتعبير عن دواخلي الذاتية والمقطوعات التي اعزفها تجسد ما يخالجني  من أحاسيس ومشاعر

- إلى ماذا تطمحين مستقبلا دراسيا وفنيا ؟

-أطمح مستقبلا إلى نيل شهادة الاحتراف في الموسيقى وتطوير قدراتي الفنية في المسرح ودراسة الفلسفة في الجامعة لأنني أعشق عالم الفلسفة، فالموسيقى فلسفة في حد ذاتها

- بيتهوفن كان أيضا من ذوي الإعاقة  لكنه أبدع في مجال الموسيقى وألف العديد من السمفونيات الهامة والرائعة  مكنته من تخليد إسمه، فهل تعتبرينه قدوتك و مُلهمك؟

- نعم بيتهوفن هو قدوتي لكونه شخصا حقق  انجازات موسيقية رائعة رغم إعاقته فقد تحدى كل الصعاب ولم يجعلها مانعا لممارسة العزف والموسيقى

-هل هناك اشخاص دعموك في بداية مشوارك ؟

- أمي  كانت من الأشخاص الأوائل  الذين قاموا  بدعمي وبمساعدتي على ايجاد فضاء  لتعلم  العزف وتطوير موهبتي وكذلك الفنان الكبير محمد الجبالي الذي كان مشرفا على تأطيري ومنحني عديد الفرص لإبراز قدراتي الفنية وكان حريصا على تحفيزي لصقل مواهبي  دون أن أنسي أساتذتي في الموسيقى أو في المسرح مثل لطفي العكرمي الذي كان شديد الحرص على إخراج ما بداخلي من أحاسيس فنية وأبداعية وأسامة عبد القادر الذي اكتشف فيّ حب المسرح وسعى الى تطوير هذه الموهبة وكذلك الممثلة نورهان بوزيان التي جعلتني أعشق المسرح وأتجاوز اعاقتي .

- لا يخلو الوسط الثقافي بكل أصنافه الأدبية منها والتشكيلية والموسيقية والمسرحية عموما من النقد والتجريح وحتى التنمر في بعض الأحيان، هل كانت لهذه الإنتقادات  اي تاثيرات  سلبية عليك  او عائقا امامك  لتحقيق  حلمك ؟

-لا تمثل الانتقادات السلبية مانعا لمواصلة الابداع لأنني كنت اعتبرها حافزا ايجابيا  للتطور والتقدم

-هل تعتبرين الفن وسيلة للنجاح والشهرة وكسب المال أم أنه قيمة ثابتة تُبرزين به مكانتك وتفردك داخل المجتمع ؟

-أنا أهوى الفن منذ نعومة أظافري وأطمح أن يكون لي مستقبل واعد في الموسيقى لتحقيق الشهرة وكسب المال  بما يضمن لي العيش الكريم 

-الدوافع الخفية وراء اختيارك للعزف على البيانو ؟

- اختياري العزف على البيانو له دوافع نفسية بالأساس لأن  البيانو  يشبهني فأنسجام الأوتار البيضاء والسوداء يشكل لحنا جميلا كذلك حياتي فبالرغم من تنوع ألوانها تبقى رائعة وجميلة

- تميزك في الدراسة وحصولك على معدل ممتاز في آخر السنة الدراسية رغم أنك من ذوات الإعاقة البصرية يعكس ذكاء وفطنة وتحدّ منقطع النظير تتحلى به شمس، كما أن تجاوزك لهذا العائق يؤكد قوة بصيرة تجاوزت   فقدان البصر، ماهو تعليقك ؟

-نعم من الضروري التشبث والتمسك بالامل لأن الأصرار والعزيمة هي  السبيل الوحيد لتحقيق النجاح والتميز وطبعا فالبصيرة ودواخل الأنسان وعدم اليأس أقوى من البصر وخاصة التخلص من قوى الجذب للوراء  فانا إنسانة طموحة أسعى دائما للأفضل ونجاحي الدراسي  يعكس  اصراري  على التميز

- هل تعرضت للتنمر في مرحلة عمرية معينة ؟ إن كان الجواب نعم ما مدى تأثير ذلك عليك ؟

- تعرضت للتنمر في الطفولة كأي شخص من ذوي الإعاقة وتأثرت أيما تأثر، لكن ذلك كان في السابق أما الان فقد تجاوزت تلك الأحاسيس وتعايشت  مع اعاقتي  بشكل عادي

-خلال تجربتك الفنية ماهو أجمل موقف حصل معك ؟

- أجمل موقف حصل معي عندما منحني الفنان الكبير والمتألق محمد الجبالي فرصة الصعود والعزف على مسرح مهرجان الحمامات يوم 10 جويلية 2023 وهو  يوم  سيبقى محفورا في الذاكرة خاصة وانه تزامن مع يوم مولدي وبداية   الطريق نحو الشهرة

- وأسوء موقف حصل معك ؟

-أسوء موقف  هو رفض بعض الاشخاص تعليمي العزف عندما رغبت في دراسة الموسيقى

كلمة الختام

- خير ما اختم به هو قول الشاعر الكويتي  محمد بن فوزان  الذي قال :

 ليس المعاق الذي شلت جوارحه

ولا الــذي قـــدرا هـدته أسـقــام

 بـل المعـاق الـذي شانـت فعائـلـه

فكم كفيف لـه فـي النـاس منزلـة

ومبـصـر جهـلـه يـــجلله إظـــلام

فكـن لغيـرك نــور يستـضـاء بـه

 تعـطـي الضـيـاء ولا تقـعـدك آلام.

 فالاعاقة بالنسبة لي هي دافع للتميز والاختلاف و حب الحياة ...

 

 

 

 

 

هذا العمل أنجز في إطار مشروع " من أجل تحسين وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الخدمات والحقوق في تونس "  من تنفيذ وزارة الشؤون الإجتماعية بالتنسيق مع وزارة الأسرة والمرأة والطفل وكبار السن ( MFFE#) والديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (ONFP#) وبالشراكة مع تمثيلية صندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس  UNFPA# منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة UNESCO# مفوضية  الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان HCDH# ومنظمة الأشخاص ذوي الإعاقة ، لاسيما جمعية إبصار IBSAR# والمنظمة التونسية  للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة OTDDPH#

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة