لكن لم تكن تعلم نور أنها على موعد مع معاناة جديدة لم تكن بالحسبان. بعد انتهاء العملية استيقظت نور لتجد نفسها في غرفة الإنعاش، سألت طبيبها باستغراب عن سبب تواجدها في هذا المكان، ليخبرها بأنها تعاني من مضاعفات نتيجة مرضها بفقر الدم. أخبرتنا نور أن الطبيب كان يعلم مسبقاً بمرضها بفقر الدم لكن طمأنها بأنه لن يؤثر على عمليتها، وطلب منها قبل إجراء العملية الجراحية التوقيع على تعهد بتحمل مسؤولية أي مضاعفات قد تنتج.
أصيبت نور بصدمة نزفية كادت أن تفقدها حياتها، وبعد قضاء أربع ليال في غرفة الإنعاش، خرجت منها بسلام، لكن لاحظت بأن جرحها غير عادي، مصحوب بإفرازات غريبة ذات رائحة كريهة، إلى جانب إصابتها بالحمى وآلام شديدة. استكملت نور حديثها معنا وهي تستذكر صدمتها بعد أن أخبرها طبيبها بأن عليه إعادة فتح جرحها، لأنها أصيبت بعدوى المستشفيات (Infection Nosocomiale) انتقلت لها من غرفة الإنعاش، وهي عدوى أو إنتان يكتسبه المريض بعد دخوله المستشفى. أي لم يكن مصاباً به عند دخوله المستشفى ولا يظهر إلا بعد 72 ساعة أو أكثر من دخوله إليه.
تقول نور أن الطبيب ارتكب خطأ بعدم وضعها في غرفة إنعاش خاصة بمرضى العمليات التجميلية، بل وضعها في غرفة المرضى الذين يجرون عمليات طبية مما أصابها بالعدوى. حاولت نور أن تستفهم لماذا وضعوها في هذه الغرفة، لكن لم تجد أي إجابة مقنعة.
قام الطبيب بإعادة فتح الجرح من الصفر لتنظيفه وتعقيمه، لتبدأ نور بمرحلة جديدة من تلقّي المضادات الحيوية والعديد من الحقن.
تعبت نفسياً، أردت فقط إنقاص وزني لكن خسرت الكثير من المال والوقت. فقدت الثقة في كل الأطباء وكل من يعمل في تلك المصحة. وصلت لمرحلة صعبة، أصبحت نفسيتي مشوهة كالجرح الذي تركه الطبيب في جسدي" تقول نور في وصفها لحالتها الصحية.
وعن سؤالنا لها عما اذا قاضت الطبيب، أجابت بأن الوثيقة التي وقعتها قبل إجراء العملية لا تكفل لها أي حقوق لأنها تعهدت بتحمل المسؤولية عن أي مضاعفات تنتج عن العملية. إلا أن نور تؤكد لنا أنها لم توقع إلا بعد تطمينات الطبيب بأنه لن يحدث لها أي مضاعفات أو أي نتائج سلبية.
تجميل قاتل يودي بحياة أكثر من عروس تونسية
في 25 نوفمبر 2021، استيقظت تونس على خبر وفاة العروسة كريمة الرايس (36 عاماً)، أثناء إجراء عملية تجميل في إحدى مستشفيات تونس.
في تفاصيل الحادثة، قررت كريمة قبل شهر من فرحها إجراء عملية شفط دهون، وبحسب عائلتها فإن كريمة كانت مصرة على إجراء العملية رغم تحذيرات الأطباء، فقد تواصلت مع طبيبين وكلاهما رفضا إجراء العملية بدعوى عدم وجود أي دهون لشفطها. إلا أن طبيبة بإحدى المصحات الخاصة وافقت على إجرائها، وحددت لها موعد على أن تتم العملية خلال ثلاث ساعات. لكن عند إجرائها، استغرقت العملية أكثر من سبع ساعات، لتخرج من غرفة العمليات جثة هامدة، وبدلاً من أن تزف إلى عريسها، زفّت إلى مثواها الأخير بسبب خطأ طبي أثناء إجراء العملية التجميلية.
بعد عام من وفاتها، تم إيقاف الطبيبة بعد ثبوت وجود خطأ طبي أثناء إجراء العملية.
كريمة الرايس ضحية عملية تجميل
لم تكن كريمة الضحية الوحيدة، فقد سبقتها راوية الفورتي في عام 2020، التي كانت أيضاً عروس تستعد للزواج، إلا أنها لم تكن تعلم أن "العملية البسيطة" ستودي بحياتها. طمأنتها الطبيبة الى سهولة وبساطة العملية وعدم وجود ما يستدعي القلق، لكن بعد ست ساعات من بدأ الإجراء، تم إبلاغ عائلتها بأن وضعها خطير وتعاني من مضاعفات، ليتم إعلان وفاتها لاحقا.
بحسب عائلتها، فإن وفاة راوية ناتجة عن خطأ طبي رفضت الطبيبة المباشرة أن تعترف به، مصرة على أن وفاتها طبيعية ناتجة عن سكتة قلبية أصيبت بها أثناء العملية. مما دفع أهلها للمطالبة بتشريح الجثة ليتبين فيما بعد أنها وفاتها كانت مسترابة على خلاف ما تم إدراجه في الشهادة الطبية.
راوية الفروتي ضحية عملية تجميل
هناك العديد من الضحايا مثل كريمة وراوية، هدفهم الوحيد تجميل أنفسهم والظهور بأبهى صورة. تغريهم معايير الجمال الحديثة، باحثين عن الكمال من خلال عمليات تجميل، قد يتعرضون بسببها لخطر الموت أو الإصابات بعاهات دائمة.
عمليات التجميل في أرقام
في الفترة الأخيرة زاد اهتمام العالم بعمليات التجميل. في عام 2021 أجريت أكثر من 30 مليون عملية تجميل، منها 12 مليون و800 ألف جراحية، و17 مليون و500 ألف غير جراحية. أكثر فئة عمرية تجري هذه العمليات تقع ما بين 35 – 50 سنة، وذلك بحسب آخر إحصائية أصدرتها الجمعية العالمية لجراحة التجميل (ISAPS) في عام 2021.
وتعتبر عملية شفط الدهون هي أكثر عمليات التجميل شيوعاً على مستوى العالم، حيث بلغت نسبة إجمالي العمليات المنجزة 14.8% خلال 2021 بزيادة بلغت 24.8% عن العام السابق 2020، يليها عملية تكبير الثدي بنسبة بلغت 13.1%، هذا فيما يخص العمليات الجراحية، أما العمليات غير الجراحية فإن حقن البوتكس (سم البوتيولينيوم) هي الأكثر شيوعاً بنسبة بلغت 14.6%، يليها حقن حمض الهيالورونيك بنسبة 30%، وهو حمض يستخدم لتجديد شباب الوجه وترطيب البشرة، ثم إزالة الشعر بنسبة 10.4%.
حاولنا البحث عن أرقام خاصة بتونس لكن لم نحصل على أي بيانات مفتوحة في المصادر الرسمية، كما توجهنا لشخصيات معنية بقطاع التجميل إلا أنها لم تمتلك أرقام دقيقة عدد العمليات وأيهما أكثر شيوعاً، في حين قدّرت نقابة طب التجميل، أن تونس تجري أكثر من 150 ألف عملية تجميلية سنوياً سواء بطريقة قانونية أو غير قانونية.
التجميل في تونس
قبل أن نتعرف على مجال التجميل في تونس لابد من التفريق بين طب التجميل وجراحة التجميل الطب التجميلي هو مجموعة من الإجراءات الطبية التي تهدف إلى تحسين المظهر الخارجي للمريض والحد من تأثير آثار الشيخوخة، مثل علاج التجاعيد والندوب، إزالة الشعر والوشوم باستخدام الليزر، ويمكن أن يكون مكملاً لأحد الإجراءات الجراحية، وبحسب الإحصاءات فإن 70% من أعمال الطب التجميلي تهتم بالوجه، مقابل 30% لبقية مناطق الجسم البشري.
أما جراحة التجميل هي الإجراء الجراحي لترميم عيوب الوجه وأجزاء الجسم الأخرى الناجمة عن التشوهات الخلقية، الحروق وغيرها وقد يجريها المريض لتحسين المظهر العام ولغايات تجميلية غير مرتبطة بتشوهات أو اضطرابات مرضية.
وبحسب الدكتور خليل بو خريص، النائب السابق لعمادة الأطباء والأمين المالي حالياً، فإن طب التجميل في تونس يمارس فقط في العيادات الخاصة لأطباء التجميل، أما جراحة التجميل ففي الأصل ليس هناك مراكز خاصة، بل يتم اجرائها داخل المصحات فقط، إذ أن الممارسة تكون إما في العيادة الخاصة أو المصحات الخاصة المرخص لها.
أما فيما يخص مراكز التجميل المنتشرة في جميع أنحاء تونس والتي تتركز بالأساس في العاصمة التونسية، حاولنا حصرها لكن لم يتوفر لدينا بيانات دقيقة حول عدد هذه المراكز. وقد يعود ذلك إلى ما أكّده بو خريص من أن مراكز التجميل المتواجدة حالياً ما زالت غير معترف بها بالأصل لأنها تخضع لكراس الشروط التي لم يقع إقرارها بعد، مضيفاً بأنه حسب الممارسة الطبية لا يزال لا يوجد قانون يسمح للأطباء بفتح مراكز تجميل.
وأوضح بو خريص بأن هناك مراكز تجميل تخضع لوزارة التجارة، مثل مراكز الليزر يستعملها أطباء التجميل وجراحة التجميل وأطباء الجلد، تكون مراكز متخصصة في عمليات الليزر، ويستخدم فيها ليزر طبي أي بإشراف طبي.
في حين هناك مراكز التجميل الأخرى هي بالأصل عبارة عن مراكز حلاقة لكن يضاف لها كلمة "مركز تجميل" كنوع من التحسين، هذه المراكز تواجه العديد من المشاكل، أولاً غير مرخص لها، ثانياً لا تستخدم الليزر تحت إشراف طبي مما يتسبب بالعديد من الحروق والتشوهات.
ضحية الليزر
أسماء (اسم مستعار) 29 سنة، عروسة تونسية تتجهز لفرحها لتطل بأفضل حلة، قررت قبل فرحها المقرر عقده في صيف 2023، أن تجري عملية "ليزر" إزالة شعر بالليزر لمنطقة الوجه، وأثناء بحثها عن طبيبة تجميل، وجدت إعلانا لإحدى الطبيبات على "انستغرام"، مرفق بعديد التعليقات التي تشكر وتمدح عملها، مما دفعها لتحديد موعد في 20 يناير.
ذهبت أسماء إلى العيادة التجميلية وجلست تنتظر دورها. في البداية استغربت أسماء أن المراجعين لا يستغرقون وقتاً طويلاً أثناء إجراء عملياتهم، لكنها افترضت أن الطبيبة متمرسة. حان دور أسماء ودخلت إلى الطبيبة، وضعت النظارة الحامية من الليزر وبدأت الطبيبة بإجراء العملية. قالت أسماء أنها أصيبت بأوجاع شديدة ولم تتحمل الألم، إلا أن الطبيبة طمأنتها إلى أن الأمر طبيعي. وبالنظر إلى أن الطبيبة لديها عدد كبير من المراجعين طلبت إليها أسماء أن تكمل ما بدأت.
تقول أسماء أنها بالكاد استطاعت أن تعود إلى منزلها من الحروق والأوجاع التي أصابت وجهها، فبحثت عن الأمر ووجدت أن هذه الأعراض طبيعية وأنها مع مرور الوقت ستخف رويداً رويداً، لكن في حالة أسماء كانت الأوضاع تزداد سوءاً، مما دفعها لمعاودة الاتصال بطبيبتها بعد مرور ثلاث أيام.
أخبرتها الطبيبة أن الأمر طبيعي وطلبت منها استخدام مرهم للحروق ليخفف الاحمرار.
عملت أسماء بنصيحة الطبيبة وبدأت باستخدام المرهم إلا أنه لم يجدي نفعاً. خلال هذه الفترة لم تستطع أسماء الذهاب إلى عملها وبدأت صحتها النفسية بالتراجع كلما رأت وجهها في المرآة، لتعاود الاتصال مرة أخرى بالطبيبة لكن هذه المرة دون رد، حاولت الاتصال بالعاملين في العيادة هناك ليكون الجواب " مش مشكلتي". حينها قررت أسماء الذهاب إلى محامي وتقديم شكوى في الطبيبة المعنية، ولا تزال القضية في المحكمة إلى حتى الآن ولم يقع البت فيها.
"تشوهت .. نفسيتي تاعبة، قاعدة نتبع مع طبيب نفساني، عملتلي مشاكل مع خطيبي ومع العايلة، برشا فلوس خسرت، صبيت فلوس برشا على المحامي والجلسات ولتوا ما صار شي في القضية، وان شاء الله حكايتي تكون عبرة للبنات اللي بعدي"
هكذا وصفت أسماء حالتها الآن بعد مرور أكثر من أربعة شهور على إجرائها العملية التجميلية التي خلّفت بقع سوداء وحروق في وجهها، لتبدأ مرحلة علاج جديدة مع طبيبة أخرى، لعلّها تستعيد وجهها في حالته السابقة. لكن الطبيبة أخبرتها بأنه سيتبقى في وجهها بعض الحروق الدائمة، لأنها اخترقت طبقة الجلد مما يصعب عودة وجهها كما كان، وعليها المواظبة على استعمال واقي الشمس وعدم التعرض بتاتاً لأشعة الشمس، إلا أن أسماء لا يعجبها الحال وتبقى لديها أمل أن تستعيد بشرتها السابقة وتفكر كثيراً في الذهاب إلى طبيب آخر "مضطرة غير مخيّرة" على حد تعبيرها.
الوضع كارثي والأخطاء جسيمة
يصف لنا عصام العامري، رئيس الجمعية التونسية لإعانة المتضررين من الأخطاء الطبية، بأن الوضع كارثي والأخطاء التجميلية جسيمة، وأن هناك المئات من الأخطاء الطبية، ليس فقط في صفوف المواطنين التونسيين بل أيضاً في صفوف الأجانب من فرنسا وكندا وأستراليا، مؤكداً بأن الجمعية تتلقى حوالي من 20 إلى 30 شكاية في السنة من التونسيين والأجانب.
وأوضح العامري بأن غالبية الشكاوى من الأجانب، وذلك بسبب أن الجراحيين الذين يقوموا بهذه العمليات غير مختصين بالتجميل، لذلك هناك العديد من الأخطاء.
وفي هذا الخصوص قالت إيمان بن عمارة رئيسة نقابة أطباء التجميل، إن كثرة ضحايا أطباء التجميل في تونس يضرّ بصورة تونس التي تسعى أن تكون وجهة هامة للسياحة التجميلية، حيث لم نعد قادرين على استقطاب أكبر عدد من الأجانب عكس تركيا.
وأرجعت بن عمارة كثرة ضحايا التجميل إلى وجود أشخاص يقومون بممارسة طب التجميل وحقن بعض المواد التي تستعمل للوجه دون أن يكونوا أطباء ودون معرفتهم بالأوعية الدموية، مؤكدة بأنه يصل إلى عيادتها العديد من الحالات في وضعيات كارثية وفي حالة تشوه.
وأضافت "أشعر بالألم لأن أصحاب الصيدليات ومراكز التجميل (حلاقة ومكياج) أصبحوا يقومون بنشاطات في مجال تجميل الوجه خصوصاً وهم لا علاقة لهم بطب التجميل لا من قريب ولا من بعيد ودون أي صفة قانونية لهم."
وأبدت بن عمارة استغرابها من العشرات الذين يقومون بعمليات التجميل اليوم دون شهادة أو تخصص حيث يلجؤون للإشهار في البداية ثم يقدمون تخفيضات وعروض مغرية وينتحلون صفة طبيب وخطوة بخطوة يغزون طب التجميل ويعملون دون حسيب أو رقيب، مؤكدة بأن الأطباء المختصون في طب التجميل لا يقدمون أي عروض تخفيضات وإنما هي صفة يتميز بها الدخلاء فقط على حد تعبيرها.
حمّلت بن عمارة المسؤولية الكاملة لكل حريف يتوجه إلى الدخلاء لإجراء تدخلات تجميلية، مشيرة إلى أن اليوم هناك مئات الضحايا وأغلبهم يرفضون التوجه للقضاء إما بسبب الخوف أو بسبب طول مدة الإجراءات وغلاء أسعار التقاضي (المحامي).
حادث طبي وليس خطأ
كثيرة هي الشكاوى التي تصل جميع الجهات المختصة حول وجود أخطاء تجميلية، وعند سؤالنا النائب السابق لعمادة الأطباء بو خريص حول وصول أي شكاوى إلى عمادة الأطباء، أجابنا " الشكاوى موجودة، غالباً النتيجة تكون غير مرضية، لذا نتلقى الشكاوى ونقوم بالإجراءات اللازمة"، وأوضح أن الإجراءات تتمثل في إقرار مجموعة من العقوبات على الأطباء تصل إلى حد تحجير العمل، وبيّن أنها تبدأ من الإنذار إلى غلق العيادة وقد يصل إلى الشطب نهائياً إذا ثبتت الأخطاء.
إلا أن بو خريص نفى وجود أي أخطاء طبية تجميلية وقال "لا يوجد لدينا أي أخطاء، الحكاية أن في كل مهنة هناك نقص في النتيجة، وقد يكون هناك تأثيرات جانبية للدواء، موضحاً ذلك بأن في جراحة التجميل قد يصل الأمر إلى وفاة المريض، خاصة في عمليات شفط الدهون، لكن لا يمكن اعتبارها خطأ بل هي حادث طبي، قد يكون المريض تعرّض لانسداد شرايين في المخ مما ينتج عنه الموت أو تعكرات كبيرة، في هذه العمليات يتوجّب على الطبيب أن يعلم المريض بالمنافع والمخاطر التي قد يتعرّض لها أثناء القيام بالعملية، أما الأخطاء الكبيرة غير موجودة، ولإثبات وجود خطأ كبير لا بد أن يكون هناك لجنة كبيرة من الخبراء تتطلب الكثير من التحقيق، وفي حالة الإثبات تكون العقوبة صارمة"، مضيفاً بأنه قد صدر سابقاً عقوبات بحق بعض الأطباء لكن لم تصل إلى الشطب حتى الآن.
أما عن كيفية تعامل العمادة مع الشكاوى، أوضح لنا الدكتور بو خريص بأنه كلما تصلهم شكاية على الأطباء يقوموا بإثبات ذلك عن طريق عدل منفذ أو عدل إشهاد ويقوموا برفع قضية ثم إحالة الملف إلى وكيل الجمهورية، وفي حال ثبت وجود خطأ فإن الطبيب يقوم بتعويض المريض، لكن ليس من خلال عمادة الأطباء بل من خلال المحاكم.
فوضى ونقص رقابة
ميدان طب التجميل أصبح يعاني من الكثير من الفوضى بسبب نقص الرقابة وعدم تطبيق القانون، هكذا عبّرت ايمان بن عمارة رئيسة نقابة أطباء التجميل، واعتبرت أن السبب وراء كل هذه الفوضى هو عدم وجود كراس شروط أو قوانين تنظم قطاع طب التجميل وخصوصاً منع مراكز التجميل المختصة في الحلاقة والمكياج من ممارسة طب التجميل.
وأضافت بن عمارة أن نقابتها قدمت كراس شروط وزارة الصحة لتنظيم عمل مراكز العلاج بالليزر منذ حوالي سنتين ولكن لم يتم تطبيقه حتى يومنا هذا ومراكز التجميل التي باتت تستعمل الليزر وتقنية حقن البوتكس والفيلر وتقنيات أخرى لتجميل الوجه هم في الأساس مختصون في الحلاقة والمكياج ومع ذلك يعملون بهذه التقنيات دون رقابة ودون مبالاة بصحة الحرفاء.
وقالت إن "هؤلاء يستغلون عدم خضوعهم للرقابة من قبل وزارة الصحة ويمارسون أعمال من المفروض أن بقوم بها طبيب مختص في التجميل وأيضاً يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي وصناع المحتوى على انستغرام للترويج لهم ولأعمالهم دون وعي".
وأردفت "اليوم الدخلاء ليس لديهم الحق في شراء مواد تجميلية من مسالك التوزيع القانونية لذلك يشترون البوتكس وعدة مواد أخرى من مصادر مجهولة وغير قانونية ويشترون مواد مقلدة ومضرة بالصحة، لذلك يقدمون خدمات بأسعار منخفضة ومغرية، بينما أطباء الاختصاص يشترون مواد غير مقلدة وبأسعار غالية جداً كذلك ملزمون في ذات الإطار بدفع الأداءات والضرائب عكس دخلاء المهنة"، ومن جهة أخرى فإن الموزعين يبيعون معدات بمواصفات طبية لمراكز التجميل التي تعنى بالمكياج والحلاقة وذلك لعدم وجود نص قانوني يمنعهم من ذلك، يبيعون مثلاً معدات الليزر لهذه المراكز مما يشكل خطراً قد تتسبب في حروقات وتشوهات للحرفاء.
قالت بن عمارة " نحن في النقابة التونسية لطب التجميل نقوم بالاتصال بالمجلس الوطني لعمادة الأطباء للفت نظرها لما يحدث داخل هذا الميدان، في كل مرة عمادة الأطباء تخبرنا أن الذين يقومون بعمليات التجميل داخل مراكز التجميل، هم ليسوا أطباء، بالتالي لا يمكنها استدعاؤهم أو التنبيه عليهم لأنهم لا ينضوون تحتها، إنما ينضوون تحت وزارة التجارة".
توجّهنا بالسؤال إلى عمادة الأطباء متمثلة في نائبها السابق دكتور بو خريص وأكّد لنا أن عمادة الأطباء لا علاقة لها بمراكز التجميل "مراكز الحلاقة" وأنها تخضع لوزارة التجارة، إنما تتدخل في أي شيء من شأنه أن يمس مهنة الطب "الممارسة الشرعية للطب".
قمنا بالاتصال بـ آمال بو عبيد مكلفة في الإعلام بوزارة التجارة، قالت "إن دور وزارة التجارة يقتصر فقط على منح الرخص والمصادقة على كراس الشروط أو سحبها لأصحاب محلات القيافة والتجميل (محلات الحلاقة). وأكدت أن وزارة التجارة ليس من دورها مراقبة مراكز التجميل التي تخدم خدمات تجميلية (بوتوكس، فيلر، شد البشرة)... ودورها فقط منح تراخيص لمحلات الحلاقة باعتبارها حرفة أو نشاط لا علاقة له بطب التجميل. وتوقعت بوعبيد أن مراكز التجميل التي تقدم خدمات تجميلية مازالت غير منظمة في تونس ولا تخضع للرقابة في الوقت الحالي.
قوانين على قائمة الانتظار منذ سنوات
أخبرتنا الدكتورة إيمان بن عمارة بأنهم تواصلوا عديد المرات مع وزارة الصحة، لتنظيم قطاع التجميل إلا أنهم في كل مرة يقولون إن لديهم أولويات أخرى، لذلك تحذّر الطبيبة بأنه مع كل تأخير هناك عشرات الضحايا للدخلاء وأيضا أطباء الاختصاص يخسرون يوميا مكانتهم على حساب الدخلاء.
وأكدت على ضرورة أن يتعاون جميع الأطراف من عمادة الأطباء ووزارة الصحة وأطباء التجميل والعمل على تنظيم القطاع وتطهيره من الدخلاء ووضع قوانين وكراس شروط ينظم المهنة وهو ما سيحسن من صورة تونس في مجال طب التجميل وتكون وجهة هامة للسياحة التجميلية من أجل دعم الاقتصاد وجلب العملة الصعبة.
وترى بن عمارة أنه لتجنب الفوضى وحماية المرضى يجب على وزارة الصحة وضع كراس شروط لتنظيم قطاع طب التجميل والاعتراف به بشكل رسمي والسماح فقط لمن يحملون شهائد في طب التجميل بممارسة المهنة من خلال سن نص قانوني واضح، وأضافت "نحن ننتظر سن قانون ينظم القطاع بين الأطباء أولاً وهذا القانون جاهز وهو ممضي من جميع الأطراف ما عدى رئاسة الحكومة لذلك نحن ننتظر امضائه بصفة نهائية ونشره للعموم".
وهذا ما أكّد عليه النائب السابق لعمادة الأطباء أيضاً، حيث أبلغنا بأنهم في انتظار سن قانون يمنح المتحصلين على شهائد جامعية الحق في ممارسة طب التجميل، وأثناء إعداد هذا التقرير، صدر بالرائد الرسمي عدد 55، قرار من وزير الصحة مؤرخ في 22 مايو 2023 يتعلق بضبط شروط وقواعد الاعتراف بتأهيل الأطباء لممارسة الطب، بناء عليه تم الاعتراف رسمياً بطب التجميل ويمكن لكل طبيب متحصل على شهادة جامعية من تونس أو دولة أجنبية معترف فيها، ممارسة طب التجميل.
تنويه: أنجز هذا العمل بالتعاون مع مركز تطوير الإعلام