السبت، 20 أفريل 2024

" هل حرية التعبير بحاجة إلى قانون جديد ؟ " مميز

21 أكتوبر 2018 -- 20:57:58 1305
  نشر في راي و تحليل

 

تونس/الميثاق/تحليل

 

مقال نشر في مجلة " إصلاح القضاء الآن " بقلم القاضي : علي قيقة

 

 

مثّل المرسوم عـ115ــدد لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر نقلة هامة في تنظيم وتدعيم حرية التعبير برفع القيود التي كانت تكبّل هذه الحرية عبر إلغاء صلاحيات وزارة الداخلية في إسناد وصل الإعلام لإصدار الصحف وتحويل عملية التصريح بالنشر إلى المحاكم الابتدائية والتقليص من الطابع الزجري لجرائم الصحافة عبر الحدّ من العقوبات البدنية والاقتصار في أغلب الجرائم على الخطايا المالية.

 

كما وفّر المرسوم المذكور ضمانات للوصول إلى المعلومة والحفاظ على السرّ المهني لكن ورغم كلّ هذه الإيجابيات تبقى الإخلالات قائمة والضعف التشريعي واضحا خصوصا أمام تشتت النصوص المنظمة لحرية التعبير وتنازعها ولا مناص من الإسراع في تعويض المرسوم المذكور بقانون أساسي تطبيقا لأحكام الفصل 65 من الدستور التونسي الذي اقتضى أنّه "تتخذ شكل قوانين أساسية النصوص المتعلقة بالمسائل التالية:  تنظيم الإعلام والصحافة والنشر" لتفادي الإخلالات وتجاوز النقائص التي جعلت من التنظيم التشريعي الحالي قاصرا عن حماية حريّة التعبير.

 

I - نقائص التنظيم القانوني لحريّة التعبير:

 

لعلّ أكبر عيب يمكن أن ينسب للتنظيم التشريعي لحريّة التعبير في تونس هو أنّ النّصوص المنظمة لهذه الحرية مشتتة الأمر الذي أدّى إلى التنازع بينها.

1- تشتت النصوص المنظمة لحرية التعبير:

فضلا على المرسوم عـ115ــدد لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر فإنّ عديد النصوص الأخرى تتعلق بحرية التعبير في تونس  نذكر منها:

 

أ‌-  المجلة الجزائية:

 

السبب الأوّل يهمّ كلّ الحالات التي قد يرتكب فيها أحد المنتمين لقطاع الصحافة أو الطباعة أو النشر جريمة حق عام فتكون مقتضيات المجلة الجزائية سارية المفعول وأمّا السبب الثاني فإنّه مستمدّ من حالة وجود فراغ في النص الخاصّ الأمر الذي يفرض الرّجوع إلى النصّ العام.

 

ومن منطلق هذين السببين فإنّه توجد في المجلة الجزائية عديد الأحكام ذات الصلة بحرية التعبير والتي لا سند لها بالنص الخاص. وبتصفح هذه المجلة يتبيّن أنّ عددا هائلا من الفصول يهمّ بصورة مباشرة أو غير مباشرة حريّة التعبير. ومن الجائز قانونا تقسيم هذه الفصول إلى مجموعتين، المجموعة الأولى تتكوّن من الفصول 121 مكرّر و121 ثالثا و220 مكرّر و303 مكرّر و 303 ثالثا و315 مكرّر و321 مكرّر وهي تمثل نصوصا جزائية كانت مدرجة بمجلة الصحافة الملغاة وسحبت منها وأضيفت بعد أخذ أعداد جديدة إلى فصول المجلة الجزائية وأمّا المجموعة الثانية من النصوص الجزائية المتكونة من عدد هامّ من الفصول غير المسحوبة من مجلة الصحافة الملغاة والتي تعتبر قديمة قدم المجلة الجزائية التي يعود تاريخ إصدارها إلى سنة 1913. 

 

على غرار الفصل 128 من المجلة الجزائية الذي اقتضى أنّه "يعاقب بالسجن مدّة عامين وبخطيّة قدرها مائة وعشرون دينارا كل من ينسب لموظّف عمومي أو شبهه بخطب لدى العموم او عن طريق الصحافة أو غير ذلك من وسائل الإشهار امورا غير قانونيّة دون أن يدلي بما يثبت صحّة ذلك".

 

ولا جدال في أنّ تعايش هذه الفصول مع أحكام المرسوم المتعلق بالصحافة من شانه أن ينتج تشتّتا وتناقضا في مستوى الأحكام.

 

ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى الأحكام المتناقضة الصادرة في حقّ الصحفي زياد الهاني بمناسبة التتبعات القضائية الجارية في شأنه على ضوء أحكام مرسوم الصحافة والفصل 128 المذكور. 

 

ففي حين إرتأت دائرة الإتهام بمحكمة الاستئناف بسوسة أنّ مرسوم الصحافة ألغى الفصل المشار إليه[1] خالفت محكمة التعقيب هذا الرأي ونقضته بمقولة أنّ مرسوم الصحافة "لم يصرح صراحة بإلغاء الفصل 128 وأنّ مقصد المشرع من الإلغاء بتعلّق بالقوانين والنصوص التي لها علاقة بمهنة الصحافة ولا يمكن بأي حال أن تنسحب على أحكام المجلة الجنائية التي جاءت نصوصها عامة وتعنى بحالات أخرى وبالتالي يبقى الفصل 128 منطبقا ولا يعفى الصحافيين من تتبعات لم يستثنيهم بموجبها القانون"[2] 

 

ب‌- الأحكام الواردة بالقوانين الخاصة:

 

يجوز إعتبار هذه الأحكام تكملة هامة للمنظومة الجزائية لحرية التعبير ولا يجب إهمالها بإعتبار أنّها مطبقة من طرف قضاة القانون الجزائي ومثيرة أحيانا للجدل لتنازع فصولها مع بعض الفصول الواردة بالمرسوم عـ115ــدد.

ويمكن حصر الأحكام الجزائية الواردة بالنصوص الخاصة في القوانين التالية:

 

- مجلة البريد: الفصل 29 مكرّر الذي جرّم الثلب والشتم بواسطة مراسلة مكشوفة.

- مجلة حماية الطفل: التي إقتضت حماية لمصلحة الطفل الفضلى الحدّ من حريّة التعبير حينما يتعلق بسمعة أو شرف الطفل أو عائلته (الفصلان 120 و121).

 

- مجلة الإتصالات: جرائم الفصلين 85 و 86 المتعلقة بإفشاء محتوى المكالمات أو الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكة العمومية للإتصالات.

- مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية: الجرائم المتعلقة بالأسرار العسكرية أو التحريض أو التحقير والتي يمكن أن ترتكب بواسطة وسائل الإعلام والإتصال.

 

- قانون الإرهاب: بصدور القانون الأساسي عـ26ــدد لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال أحدثت مجموعة من الجرائم التي يمكن أن تطال الصحفي وهي الجرائم موضوع الفصول التالية 5 و14 و21 و34 و37 و58 و73.

 

 

2- تنازع النصوص المنظمة لحرية التعبير:

 

إنّ هذا التنازع يهمّ عديد الأحكام الجزائية التي تناولت بالتجريم نفس الأفعال أو أفعال متقاربة أو متشابكة جدّا إلى درجة أنّ تسبيق حكم جزائي على آخر ليس بالأمر الهيّن.

 

ويتجسّم هذا التنازع في تزاحم الأوصاف الجزائية وصعوبة تطبيق العقوبات المناسبة على بعض الجرائم المتصلة بحرية التعبير ومن ثمّ تتعزّز أهمية تناول مسألة تزاحم القوانيـــــــــــــن المنظمة لحرية التعبير لا فقط في محاولة لإيجاد الآليات القانونية لفضّ عديد التزاحمات وإنّما كذلك للوصول إلى نتائج قانونية مستساغة ومقنعة.

 

II- مقترحات لتجاوز نقائص التنظيم القانوني لحرية التعبير:

 

-  تعويض المرسوم عـ115ــدد لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحريّة الصحافة والطباعة والنشر بقانون أساسي تطبيقا لمقتضيات الفصل 65 من الدستور التونسي.

-  جمع النصوص القانونية المنظمة لحريّة التعبير وتفعيلها في إطار منظومة جزائية متكاملة ومتناسقة وصلب نصّ تشريعي واحد.

-  الحرص عند سنّ القانون الأساسي المتعلق بالصحافة على التعريف الواضح والدقيق لعديد المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بحريّة التعبير لتفادي سوء التأويل والتجاوز عند تطبيق النص عل غرار ماقامت به لجنة الحقوق والحريات الفردية والمساواة التي عرفت في الفصل 53 من مقترح مشروع مجلة الحقوق والحريات الفردية حرية الراي والتعبير كحرية فردية بالقول بأنها تشمل الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي طلب الأفكار والأخبار وتلقيها ونقلها بأي وسيلة.  

- الحرص عند سنّ القانون الأساسي على تنظيم الصحافة الإلكترونيّة بإعتبار أنّ المرسوم الحالي لم ينظّمها والحال أنّها أصبحت تشغل حيّزا هامّا في حريّة التعبير.

 

-  التنصيص صراحة صلب القانون الأساسي المزمع سنّه على إلغاء الفصول التالية من المجلة الجزائية 67 و121 مكرّر و121 ثالثا و128 و220 مكرّر و303 مكرّر و303 ثالثا و315 مكرّر و321 مكرّر باعتبار أنّ الفصول المشار إليها تتعلق بحريّة التعبير وأنّ إبقائها في المجلة المذكورة من شأنه أن يجعل من إمكانية تطبيقها أمرا واردا في ظلّ عدم إلغائها صراحة. 

    

[1] قرار دائرة الاتهام الصادر عن محكمة الاستئناف بسوسة تحت عدد 38617 بتاريخ 6 أكتوبر 2015 (غير منشور).

 

[2] قرار تعقيبي صادر بتاريخ 5 جويلية 2017 تحت عدد 37466/33 بتاريخ 5 جويلية 2017.

 

آخر تعديل في الأحد, 21 أكتوبر 2018 20:57

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة