فالخيارالمركزي وإن نجح في مجالات كالمحافظة على الوحدة التُرابية لتونس و الحدّ من العلاقات القبلية والعروشبة ودمج الجميع في دولة حديثة فإنّه فشل فشلا ذريعا خاصّة على المستوى التنموي حيث إتسم ّبعدم الوضوح وتأرجح بين اللبرالية والإشتراكية ممّا أحدث هزات إجتماعية كبيرة أبرزها الإنتفاضة العُمالية 78و ثورة الخبز 84 إلى أن جاءت ثورة 14 جانفي لتُتوج هذا الحراك الإجتماعي ولتكشف زيف الخيارات الإقتصادية وفشل الخيار المركزي حيث أبانت الثورة عن إختلال تنموي رهيب بين مناطق المركز وبين المناطق الداخلية أو بالأحرى بين مناطق المخزن ومناطق السيبة.
.فالثورة فاجأت الجميع لا من حيث توقيتها أو جماهريتها بل من حيث نقطة ميلادها ،حيث و أمام تهري الوضع الإقتصادي وغلاء المعيشة وكثرة البطالة واستشراء الفساد كان الخبراء والمتتبعون ينتظرون هزّة إجتماعية مُنطلقها المدن وأحزمة الفقر المحيطة بها لكن جرت الرياح بما لم يخطر على خُلد أحد إذ بدأ الحراك داخليا وفي مناطق الظل أو الذلّ.
و على عكس الإنتفاضات السابقة وقفت الدولة هذه المرة عاجزة تماما أمام تمرّد المناطق السائبة التي طالبت بكل وضوح بتقاسم السلطة والثروة .
ومن ثم فإن الثورة خلطت كل الأوراق السياسية وهزت الثقة في الخيارات الكُبرى للحكم،فكان ولابُدّ من مراجعة المنهج الإداري المركزي ليكون خيار اللامركزية مدخلا إقتصاديا وتنمويا ومنهجا في إعادة توزيع الحكم والمال بين المخزن والسيبة فجاء دستور 2014 مؤسسا لهذا الخيار بشكل مهم وإن عمل عليه في ديباجته ومختلف فصوله فقد أولاه بابا كاملا سماه باب السلطة المحلية فاللامركزية ليست شعارا سياسيا فضفاضا إنما هي آلية إدارية يساهم من خلالها المواطنون والمتساكنون بالمحليات والجهات في مسار اتخاذ القرار سواء المتعلق بترتيب أولويات المشاريع الاقتصادية أو بإعطاء الحلول المناسبة للمشكلات المطروحة ومتابعتها في مختلف مراحل صنعها أو بمراقبة صرف جزء أو كل الأموال المُحالة إليهم من الدولة وتقرير مآلها حسب أولويات الجهة وحاجاتهاومتطلباتها.
فاللامركزية منهج تنموي يُمكن الأفراد والمجموعات عبر ذوات إعتبارية مستقلة ومنتخبة من تحديد حاجاتهم وأهدافهم وإلتزاماتهم على المستوى المحلي والجهوي وحتى الإقليمي وتؤدي ديمقراطية القرب هذه إلى قرارات تتميز بالجدوى آخذة بعين الاعتبار آراء وتطلعات المناطق المحلية .
إن مساهمة المناطق الداخلية في عملية صنع السياسة العامة من شأنه أن يعزز الثقة بين الدولة و مواطنيها ويُرّتب التصدع التاريخي بين مناطق الفقر والتهميش وبين المناطق المستفيدة من ولائها للمخزن فعودة الثقة في الدولة هي السبيل الوحيد لتجاوز منطق "البليك "والاحساس بالواجب تجاه التحديات التي تواجه الوطن برمته بعيدا عن حسابات المخزن والسيبة.
إن نهوض الجماعات المحلية سواء البلدية أو الجهة أو الإقليم داخل دوائرها الترابية بالتنمية المستدامة سيما فيما يتعلق منها بتحسين جاذبية الاستثمار لمجالها الإداري وجمالية رصيدها العمراني و تحسين القدرة التأطيرية لموارد ها البشرية من شأنه أن ينقل علاقة المواطن بالمركز من وضعية الوليد بمرضعته إلى حالة المشاركة في تشخيص حاجيات القرب وتنفيذها ،ناقلة القول إن المناطق الداخلية قد أخذت زمام المبادرة وعازمة على أن تكون فئة موطنية كاملة الحقوق وعلى المخزن أن يدركأن السيبة قد خرجت من بيت الطاعة (دارجود).
فشعار شركاء في الثروة ..شركاء في السلطة ستنجر عنه في قادم الأيام معركة وصفها صاحب القلم ب....".عركة صعيبة...بين المخزن والسيبة"
..أنصح وأمر
عبد الله الخلفاوي: ناشط سياسي