الأربعاء، 24 أفريل 2024

تونس والجزائر: صمت الخشية مميز

27 فيفري 2019 -- 12:38:59 692
  نشر في راي و تحليل

تونس/الميثاق/رأي

 

الخطير في الوضعية الجزائرية يكمن في عدم وجود هياكل رمزية حيادية على ذات المسافة من الجميع، قادرة على إدارة الحوار في حال تصاعد الاستعصاء وتحوّله من أزمة سياسية إلى أزمة شاملة.

 

هناك خشية تونسية رسمية وشعبية من المشهد السياسي في الجزائر وآفاق تطوره وحتمية تداعياته على الواقع المحلي التونسي الذي يتأثر سلبا أو إيجابا بالحاصل الجزائري.

 

لا يمكن إنكار أن الإحجام الرسمي والإعلامي التونسي عن تغطية الواقع الجزائري والاكتفاء بالاستقراء والمسح الأفقيين، تتخفّى وراءه مراقبة دقيقة لمجريات الأوضاع في العمق الجغرافي والاقتصادي والأمني لتونس.

 

لا تريد تونس أن تتدخل في الأوضاع الداخلية في الجزائر، ولا تريحها المقاربات الإعلامية لبعض المؤسسات الصحافية القريبة من العواصم الإقليمية في تغطيتها للاحتجاجات القائمة، لكنها تدرك أنها ستكون أول وأكبر المتأثرين بمجريات الأوضاع، وأن الدرس الليبي علم الفاعل الرسمي التونسي أنّ سياسة النعامة ومسلكية الغياب لا تجديان نفعا في ظلّ مكاسرات إقليمية ودولية كبيرة لا تبقي ولا تذر.

 

قد يكون من المبكر الحديث عن سيناريوهات التدخل والمكاسرات والاستعصاء في الجغرافيا الجزائرية، ولكن وضع السيناريوهات العديدة والفرضيات الكثيرة لمشهد يبدو أنه يخفي لتونس وللإقليم العديد من المفاجآت، بات واجبا لفعل الاستباق وتخفيف الأضرار.

 

جزء من الخشية التونسية، كامن في عدم تصور المنظومة الجزائرية الحاكمة لبديل للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من داخل المنظومة وليس من خارجها، والعجز عن التوافق حول مرشح توافقي قادر على تأمين جبهة التحرير الوطنية “الأفلان” في مقاليد الحكم وطمأنة الجيش بأن سيناريو التسعينات لا مكان له اليوم، والمحافظة أيضا على ميكانيزمات الحكم العميق في الجزائر.

 

وطالما أنّ “الأفلان” والحكم العميق، يتمسكان بالرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة كخيار وحيد ونهائي، وفي المقابل طالما أن جزءا معتبرا من الشعب الجزائري ومن الفاعلين المدنيين والاجتماعيين عبروا عن رفضهم لهذا “الترشيح” وبالتالي لحصول بوتفليقة بطريقة شبه آلية على عهدة خامسة، فإن الأمور مرشحة للمزيد من التأزم.

 

يمتلك بوتفليقة ما لا يمتلكه أحد من الشخصيات الفاعلة في المشهد الجزائري. يمتلك شرعية تاريخية ودبلوماسية ومجتمعية، يكفي أنه الرئيس الذي على يديه دخلت الجزائر عصر الوئام المدني ووضعت حدا لعشرية سوداء، ولكن في المقابل لا يمكن لشرعية رمزية أن تصنع شرعية تنفيذية قوامها أن الرئيس في النظام الرئاسي لا بد أن يكون الفاعل الأول والأساسي.

 

وكما لا يمكن محاربة الزمن في بعده الإنساني والصحي، ولا يمكن إعادة عقارب الوقت إلى الوراء، فإن جزءا كبيرا من المتظاهرين الجزائريين لا يصادرون حق بوتفليقة الرمزي في أن يكون جزءا أساسيا من تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، ولكنهم يعارضون فكرة أن يكون له حيز الحاضر ومنظور الغد، سيما وأن التغيير سنة التاريخ والانسحاب مصير كل من يكابر سطوة الزمن.

 

نصيب أساسي من دمقرطة الحياة السياسية والمدنية في الوطن العربي، كامن في النأي الهيكلي عن عبادة الأشخاص وشخصنة الدولة وأسطرة الرؤساء، وتطويع الدستور لرغبات الفاعل السياسي عوضا عن الالتزام بالمبادئ الدستورية وعلى رأسها الانتقال السلمي والسلس للسلطة.

 

الخطير في الوضعية الجزائرية يكمن في عدم وجود هياكل رمزية حيادية على ذات المسافة من الجميع، قادرة على إدارة الحوار في حال تصاعد الاستعصاء وتحوّله من أزمة سياسية إلى أزمة شاملة.

 

الفرق بين الدول الديمقراطية وغيرها من الدول الأخرى، متجسد في قدرة الأولى على إدارة الخلافات السياسية ضمن مؤسسات شرعية تمتلك الحد الأدنى من الحياد حيال النظام الحاكم، على غرار البرلمان أو المجالس الاستشارية أو النقابات، في حال أنه في الدول الأخرى حيث يعمد النظام إلى ابتلاع المؤسسات وإعادة صياغتها، تفقد الهياكل استقلاليتها وقدرتها على التحرك.

 

على هذا الأساس بالإمكان أن نفهم “الصمت الصاخب” للدولة التونسية حيال الوضعية الجزائرية، فأي تأزم للأوضاع فيها ستسقط معه حجارة الدومينو الاقتصادي والسياسي والعسكري.

 

هو كابوس سياسي يتمثل تداعياته الفاعل التونسي، لا فقط في مستوى تأثيراته على الحرب ضد الإرهاب في المنطقة الحدودية بين الطرفين أو في منطقة الساحل الأفريقي حيث تتشابك الدولتان في استباق المجموعات الإرهابية في مالي والنيجر، بل أيضا في مستوى تكاليفه الاقتصادية الباهظة.

 

 

الكاتب و المحلل السياسي :أمنين بن مسعود

آخر تعديل في الأربعاء, 27 فيفري 2019 12:38

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة