الجمعة، 22 نوفمبر 2024

هجرت صغيري بسبب العمل' ... عطلة الأمومة "كابوس" يلاحق الأمهات العاملات  مميز

01 جويلية 2023 -- 19:39:00 172
  نشر في وطنية

'بعد شهرين من الولادة انتهت عطلة الأمومة الخاصة بي بما أنني أعمل في القطاع الخاص ووجدت نفسي مجبرة على العودة إلى العمل وترك طفلي وحيدا في ذروة تفشي فيروس كورونا حينها'، بهذه الكلمات تحدثت ريم، عن معاناتها مع قِصر مدة عطلة الأمومة.

تعمل ريم المرزوقي، صحفية في مؤسسة إعلامية خاصة وتعيش في العاصمة، وتصادفت فترة حملها مع بداية انتشار فيروس كورونا في تونس وعلى الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية حينها من خطورة هذا الفيروس على صحة النساء الحوامل إلا أنها وجدت نفسها مضطرة للنزول للشارع يوميا للعمل، وفق حديثها للميثاق.

وتقول ريم 'رغم حملي بطفلي حينها إلا أن المؤسسة التي أعمل بها سمحت لي بالبقاء في المنزل شهرا وحيدا ثم استأنفت عملي وهو ما أثر كثيرا على صحتي النفسية لأنني كنت أشعر دائما بالخوف على الجنين الذي في بطني'.

تضيف 'واصلت عملي تحت الضغط النفسي إلى حين ولادتي بطفلي وحصلت حينها على عطلة أمومة لمدة شهرين لكن هذه المدة انتهت بسرعة ووجدت نفسي مضطرة لترك طفلي والعودة إلى العمل ... لم أكن قادرة على التضحية بعملي والبقاء في المنزل لذلك اضطررت لتمديد عطلتي بشهر إضافي دون رصيد'.

 تواصل حديثها 'انتهى الشهر الثالث بسرعة فقررت وضع ابني في الحضانة والعودة إلى العمل ... كان قرار صعبا وأثر كثيرا على نفسيتي ومازاد الطين بلة هو إصابة ابني بفيروس كورونا وهو يبلغ من العمر ستة أشهر فقط لذلك قمت بإخراجه من الحضانة ووضعه عند امرأة بمقابل مادي لكن اكتشفت لاحقا أنها تسيء معاملته فتعبت نفسيتي أكثر'.

وخوفا على صحة ابنها، قررت ريم هجره لمصلحته كما تقول وأرسلته إلى والدتها في مدينة الكاف لتربيه وتحميه من المخاطر المحدقة به ، فريم لم تكن قادرة على التوفيق بين عملها وتربية طفلها في بلد تعمل فيه الأم ثماني ساعات أو أكثر.

عن هذا القرار تقول ريم 'كان قرار صعبا لكنني كنت مضطرة لترك طفلي الوحيد عند والدتي باعتبار أنني غير قادرة على ترك عملي وكنت أراه مرة كل أسبوعين ولكن كنت أشعر دائما بالحزن والتعب النفسي.

تضيف 'بعد بلوغ طفلي سنتين قمت بإعادته إلى حضني ثانية وقمت بوضعه في روضة قريبة من المنزل ومع ذلك أقول أعان الله الأمهات وأتمنى إنصاف الأم والتمديد في عطلة الأمومة وتمكينها من حقوقها كاملة.

وريم ليست سوى واحدة من آلاف الأمهات العاملات اللاتي يعانين بسبب قصر مدة عطلة الأمومة، فعلى الرغم من وجود ترسانة من القوانين في تونس تحمي المرأة من العنف وتضمن لها عديد الحقوق، إلا أنها فشلت في وضع تشريع ينصف الأمهات ويمكنهن من التمتع بأمومتهن دون عقبات أو ضغوطات من أرباب العمل.

قانون معطّل؟

وتسعى المنظمات الحقوقية والنسوية في تونس منذ سنوات إلى تعديل قانون عطلة الأمومة والمصادقة على مشروع القانون عدد 93 لسنة 2020 الذي ظل حبيس الأدراج منذ ثلاث سنوات وحث البرلمان الجديد على تمريره بعد أن فشل البرلمان السابق في ذلك.

وينص مشروع قانون عطلة الأمومة والأبوة على تمديد عطلة الأمومة إلى 16 أسبوعا في القطاعين العام والخاص، مقابل ما يقارب 8 أسابيع في القطاع العمومي وشهر واحد في القطاع الخاص حاليا. ويمنح نفس النص القانوني عطلة أبوة مدتها 3 أيام، مقابل يومين فحسب حاليا.

كما يمكن لأحد الوالدين سواء الأب أو الأم أن يتمتع بعطلة والدية اختيارية بنصف الأجر في القطاع العمومي وثلث الأجر بالقطاع الخاص تصل إلى 16 أسبوعا.

وينص مشروع القانون أيضا، على الترفيع في حق التمتع بـساعة الرضاعة إلى 12 شهرا في القطاعين العمومي والخاص، مقابل 9 أشهر حاليا في القطاع العام و6 أشهر في القطاع الخاص. كما تهدف صياغة هذا المشروع إلى ملاءمة القانون التونسي للمعايير الدولية وبالخصوص منها "اتفاقية 183" لمنظمة العمل الدولية الخاصة بحماية الأمومة، وذلك تطبيقا لما جاء في الدستور التونسي الذي ينص على احترام حقوق الانسان وفقا للمعايير الدولية.

وتعتبر وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، آمال بالحاج موسى، أن  المبادرة بإعداد هذا القانون يعكس إرادة مجتمعيّة من أجل بناء أسرة متماسكة.

وبخصوص تعطل صدور هذا القانون لسنوات، تقول بالحاج موسى إن وزارتها استكملت دراسة المشروع وأنهم يواجهون في الوقت الحالي صعوبة في إقناع الأطراف المهنية في القطاع الخاص إلى جانب تأثير الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد، على حدّ قولها.

وأضافت بالحاج موسى في تصريح للصباح في مارس الماضي 'نحن لا نريد أن تتمتع الأمهات والآباء في القطاع العمومي بهذه العطلة فيما يُحرم منها نظراؤهم ممن يعملون في القطاع الخاص، لذلك خيرنا التريث إلى حين تحسن الوضع الاقتصادي العام حتى يرى هذا القانون النور وتتمتع بإيجابيات الأسرة التونسية عاجلا أم آجلا'، وفق قوله.

وتقدر الحكومة كلفة مشروع قانون إجازة الأمومة والأبوة بنحو 250 مليون دينار سنوياً.

عقوبة الأمومة

وتعتبر حقوقيات أنه كلما تأخر تمرير مشروع التمديد في عطلة الأمومة كلما كانت نتائجه وخيمة على الصحة النفسية للأمهات العاملات وعلى أطفالهن على حدّ سواء، إلى جانب خسارة نساء كثيرات إلى عملهن بسبب ضعف القانون الحالي لعطلة الأمومة التي تحولت إلى كابوس يؤرق النساء.

وترى الباحثة في علم الاجتماع هندة الشناوي، أن الأمهات العاملات يحتجن لتحسين القوانين التي تضمن لهن عطلة أمومة محترمة، معتبرة أن تونس من بين البلدان التي تشهد فيها الرضاعة الطبيعية نقصا كبيرا إلى جانب تأثر الصحة النفسية للأمهات.

Aucune description disponible.

وأضافت الشناوي، في حديث للميثاق، أن الصحة النفسية للأمهات العاملات تتأثر بشكل كبير بسبب الضغوطات الهائلة التي تعيشها الأم خلال فترة الحمل وبعد الولادة بسبب قِصر عطلة الأمومة وأيضا بسبب غياب الأب لأنه يتمتع فقط بيومين عطلة أبوة وهذا خطير على المجتمع ويشجع على غياب الآباء في الدور الإنجابي ، وفق تعبيرها.

وتابعت قائلة: 'نحن نريد أمهات عاملات يكن موجودات وفاعلات في كل القطاعات الحيوية في تونس وهذا لن يكون ممكنا في حال واصلت الدولة تطبيق قانون عطلة الأمومة والأبوة في صيغته الحالية لذلك نطالب بتنقيحه''.

وترى الباحثة في علم الاجتماع أن كبرى المؤسسات الاقتصادية في تونس اليوم لا تعتبر الرضاعة حق طبيعي وضروري ولا تخصص أماكن لائقة للأمهات العاملات لإرضاع أطفالهن أو لسحب حليبهم والاحتفاظ به'.

وتعتبر محدثتنا في ذات السياق، أن الدولة غائبة وتخلت عن دورها في توفير الرعاية النفسية والصحية للأمهات وأصبحت تضيق عليهن وتهضم حقوقهن بشكل لافت.

من جهتها، قالت الخبيرة في الجندر، نجاة العرعاري، أن الأمومة لا يجب أن يكون لها تأثير سلبي على المسيرة المهنية للنساء وأنه يجب تغيير المنظومة القانونية برمتها التي مازالت إلى اليوم تتعامل بتمييز ضد النساء وكأنها تعاقبهن بسبب حملهن أو بسبب أمومتهن.

وتعتبر العرعاري أن الانجاب دور طبيعي وأن الأمومة دور اجتماعي مايعني أن تربية الطفل يجب أن تكون مشتركة بين الأم والأب.

 

وتقول العرعاري  أنه في تونس لازالوا يعتبرون  عطلة الأمومة عطلة مرضية، داعية إلى ضرورة وضع مقاربة حقوقية ومراجعة القاونين بصفة شاملة لضمان حق الأم وتمكين الأب أيضا من عطلة أبوة للقيام بواجبه تجاه أطفاله مثله مثل الزوجة.

 

زينة البكري

آخر تعديل في الإثنين, 31 جويلية 2023 19:45

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة