في حديثه لـ"مراسلون" أكد رئيس بلدية وادي مليز هشام مرزوقي أنه رغم مرور ثلاث سنوات مازال المواطن لم يعي لليوم الدور الحقيقي البلدية وحدود قدرتها على التدخل، مشيرا إلى أن ذلك تسبب في ضغوط كبيرة أصبحت تسلط على البلدية خاصة وأن المواطن أصبح يلجأ للبلدية للمطالبة بكل حاجياته على مطالب المنح والتغطية الاجتماعية والإعانات والطرقات، في الوقت الذي تعاني فيه غالبية البلديات من صعوبات مالية.
بين ما تنص عليه المجلة والواقع... فرق شاسع
... البلدية هي جماعة محلية تتمتع بالشخصية القانونية وبالاستقلالية الإدارية والمالية تتولى التصرف في شؤون البلدية وفق مبدأ التدبير الحر وتعمل على تنمية المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا وحضريا وإسداء الخدمات لمنظوريها والإصغاء لمشاغل متساكنيها وتشريكهم في تصريف الشأن المحلي، هذا ما ينص عليه الفصل 200 من الباب الأول من مجلة الجماعات المحلية في تعريفه للبلدية ومهامها، وعن هذا تحدث هشام المرزوقي عما اعتبره فرق شاسع بين ما تنص عليه مجلة الجماعات المحلية، والتحديات التي تواجهها البلديات في ظل واقع الميزانيات الضعيفة والإمكانيات المنعدمة والموارد البشرية المفقودة ما يعيق عملية قيامهم بمهامها ويصعب عليهم مسؤولياتهم خاصة فيما يتعلق بالاستجابة لتطلعات المواطنين، معتبرا في حدود كل هذا أن الحديث عن إرساء نظام حكم محلي بالمعايير المنصوص عليها مهمة صعبة في ظل ميزانية مرصودة للبلديات لا تتجاوز 3% من ميزانية الدولة وهي نسبة غير كافية خاصة مع يقابل ذلك من عدم تعاون وتفهم من المواطن.
وفي حديثه عن بلديته أشار المرزوقي إلى أن بلدية وادي مليز صنفت في عدة مناسبات ضمن أنظف بلديات في تونس ونالت جوائز في ذلك، لكن وخلال محاولة إرساء نظام الحكم المحلي وضمن برنامج شمل كل رقعة جغرافية من التراب التونسي ضمن بلديات تم توسيع مناطق تدخل بلدية وادي مليز لتضم إليها عديد المناطق المحيطة بها، فالبلدية التي كانت تضم حوالي 2000 ساكن تقدم لهم خدمات بأربع أعوان بلدية فقط، أصبحت اليوم تضم حوالي 18 ألف ساكن. تضاعف عدد السكان بحوالي 9 مرات رافقه استقرار في الميزانية التي لم ترتفع ومحافظة على نفس الإمكانيات البشرية واللوجستية، ومع إغلاق باب الإنتدابات المعلوم للجميع، أصبحت البلدية تقدم خدمات لا تنال رضى المواطنين، حتى أنها لم تنل رضى المجلس البلدي ذاته، الذي أصبح وكأن دوره معاينة الإخلالات والنقائص من جهة وإعلان عجزه عن التدخل لحلها من جهة أخرى وكل ذلك بسبب ضعف الإمكانيات.
ولخص المرزوقي حديثه بالقول إن الدولة بالشكل الحالي تعتبر ألقت بحمل المسؤولية للبلدية لمواجهة مطالب المواطنين الغير محدودة في الوقت الذي عجزت فيه الدولة عن امتصاص غضب المواطنين وكل ذلك في إطار ما يسمى نظام الحكم المحلي والتخلص من المركزية.
رغم ضعف الإمكانيات.. البلدية تستطيع النهوض المنطقة
رغم ضعف الإمكانيات الذي أصبح واضح وجلي اليوم للجميع وباعتراف واسع من المواطنين، تحدث رئيس بلدية وادي مليز هشام مرزوقي عن قدرة المجلس البلدي النهوض بالمنطقة بما يتوفر لها من إمكانيات وذلك من خلال الحوكمة وحسن استغلال ما هو موجود والتحكم الجيد في الموارد والإمكانيات البشرية واللوجستية وحسن إدارتها.
دور هام لبلدية في برامج التنمية المندمجة
وفيما يخص أدوار البلدية تحدث هشام المرزوقي عن الدور الريادي للبلدية في مشاريع التنمية المندمجة، حيث تتابع البلدية كل المشاريع التي تنجزها مختلف الوزارات الأخرى على غرار الفلاحة أو التجهيز أو بناء مستوصفات في بلدياتها، كما تساهم في إيصال أصوات المواطنين وتشكياتهم حول هذه المشاريع وتتابع وتضغط وتصوب وتقترح للخروج بمشروع قادر على تلبية حاجيات مستحقيه ويحقق أكبر قدر من الإفادة، والحرص على توفير أفضل الظروف للانتهاء من المشروع في أسرع الأوقات. وأشار المرزوقي إلى أن البلدية تقوم بهذا الدور استنادا على متانة علاقات مجلسها البلدي على المستوى المركزي والإقليمي والجهوي والمحلي وقدرته على التواصل والمحاججة والإقناع بحاجة بلديته لتلك المشاريع وهو ما يختلف بين مجلس بلدي يستطيع إفتاك حاجته من التمويلات لمشاريع في بلديته وبلدية لا تستطيع.
وفي هذا السياق أشار رئيس بلدية وادى مليز إلى طريق فلاحية تم إحداثها مؤخرا، الطريق مسؤولة على إنجازها وزارة الفلاحة، يقع على مدى سنوات برمجة إنجاز هذا المشروع لكنه يؤجل بسبب بعض الإشكاليات العقارية، وهنا جاء دور البلدية التي تدخلت وصممت على أن لا يؤجل المشروع مرة أخرى بناء عن حاجة المتساكنين له. المشروع يتمثل في إنجاز طريق فلاحية يربط منطقة الكربة الريفية بالمدينة، كان من المقرر أن ينجز هذا الطريق بالتوازي مع مشروعان آخران، لكن دور البلدية تمثل في التدخل لإلغاء أحد المشاريع وتخصيص ميزانيته لتدعيم ميزانيات بقية المشاريع حتى يتم إنجازهما بالجودة المطلوبة بحسب حاجيات المتساكنين.
الطريق الفلاحي إنجازه كان يتمثل في الاكتفاء بطبقات من الحصى، في حين أن هذا الطريق تعتمده سيارات وشاحنات وهو ما سيقلل من دوامه وفي فترة قصيرة يعود إلى وضعه الطبيعي الذي هو عبارة عن مسار من الأوحال، وبالتالي تدخل رئيس البلدية رفقة معتمد الجهة حتى يتم إلغاء مشروع من الثلاث مشاريع المقررة، ودعم ميزانية هذا المشروع حتى يتم إنجازه بجودة عالية قادرة على تحمل السيارات والشاحنات خاصة وأن البلدية تفكر في تخصيص حافلة لتسهيل تنقل تلاميذ المنطقة من وإلى المعاهد والمدارس.
أما عن التعطيلات التي اعترضت المشروع منذ سنوات تحدث رئيس البلدية إلى بعض الإشكاليات العقارية الخاصة بمواطنين يمر الطريق عبر أراضيهم، وفي هذا تدخلت البلدية بالاعتماد على قرابتها من المواطنين حيث قام رئيس البلدية رفقة المعتمد باستدعاء هؤلاء المواطنين والتفاوض معهم وإقناعهم بأن المشروع هو مصلحة جماعية مثمنين جهدهم في التعاون والمساعدة على إنجازه سيما وأن عدد كبير من العائلات ستنتفع به وسيسهل لهم حياتهم اليومية.
البلدية في حاجة لتشريك في المشاريع التنمية المندمجة
في السياق ذاته، أشار رئيس بلدية وادي مليز هشام مرزوقي إلى مثل هذه الحاجة لتشريك البلدية في مثل هذه المشاريع التي تقوم بها الدولة أو السلط التابعة لها، خاصة في ظل الدور المهم والضروري القادرة البلدية على القيام به لتسهيل مهمة انجاز المشروع وتوفير الظروف الملائمة للإنجاز، مشيرا إلى أن دور البلدية في مشاريع التنمية المندمجة حاليا يتمثل في إمكانية إبداء رأيها وتقدم مقترحات، لكن مثل هذه المقترحات ليست مجبرة الجهات المسؤولة على المشروع على الأخذ بها أو تنفيذها.
وهنا تحدث المرزوقي عن مشروع تم إنجازه في منطقة حكيم التابعة لبلدية وادي مليز لكن هذا المشروع لم يتم فيه تشريك البلدية أو استشارتها، ما جعل المشروع لم يحقق النجاعة المرجوة سيما وأن الشريحة المنتفعة به كانت تكون أكبر لو تم الرجوع إلى البلدية والأخذ برأيها.
استقرار الوضع السياسي يدعم العمل البلدي
في ختام حديثه تطرق رئيس بلدية وادي مليز إلى تأثير الأوضاع السياسية المتذبذبة التي تعيشها تونس منذ فترة على العمل البلدي، معتبر الوضع السياسي ليس في وضعية جيدة ومن الطبيعي أن يؤثر على أداء العمل البلدي بهذه الوضعية.
كما أشار إلى صعوبة عمل البلدية دون توفر التمويلات الكافية ما يحول دون حصولها على الاستقلالية المالية التي تنص مجلة الجماعات المحلية على أنها من سمات العمل البلدي، معتبرا في هذا الشأن أن مجلة الجماعات المحلية تحتوي على عديد النقائص وأنه من الضروري الدفع نحو تنقيحها خاصة فيما يخص ملائمة صلاحيات الجماعات المحلية مع موارد تمويلها وفي النقطة المتعلقة بمدى قدرة البلدية على التدخل واتخاذ القرارات في مشاريع التنمية المندمجة، متابعا بأنه هناك الكثير من التحديات على مستوى الموارد والتأطير القانوني والمستوى الاتصالي للتعريف بنظام الحكم المحلي في تونس.
في الأخير تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير الصحفي أنجز في إطار برنامج تدريبي تحت مسمى "مراسلو الديمقراطية المحلية" تحت إشراف المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES في تونس والهادف إلى المساهمة في إنشاء صحافة محلية ناجعة عبر تدريب المراسلين والمراسلات وفي المناطق الداخلية وصحفي الجهات.
أحمد كحلاني