إحترامي سيّدي الوزير..
أنا أستاذة مباشرة أعمل في منطقة داخليّة هي كأغلب مناطقنا الدّاخليّة...جميلة حدّ الذّهول... منسيّة حدّ البكاء...
هنا ليس لنا بطولات مدوّيّة...بطولاتنا هادئة خجولة تكمن في تفاصيل كلّ يوم من أيّام السّنة الدّراسيّة التّي يلتهم الشّتاء القاسي أغلب أيّامها...
هنا نكابد البرد و الظّلم و الفقر و التّهميش و قسوة الحياة
هنا كسرى...
و عليّ أن أدخل القسم المظلم الكئيب البارد كلّ يوم كشمس صغيرة دافئة...
و أحيانا تكون في محفظتي قارورة ماء و موزة و بعض الحلوى لمن يغمى عليها منهنّ في الفصل..
كلّ يوم هو بطولة صغيرة ... عليّ أن أجد القوّة لأتحمّل عددا من الوجوه الصّغيرة الحزينة و هي تتابعني بإهتمام و أنا أتنقّل من مكان إلى مكان لأتفادى التّجمّد في منطقة السبّورة بين باب لا يقفل و شبّاك مكسور...
أغلبهم بيّاتة... الأب في مكان ما من السّاحل يحرس عمارة أو يعمل في حظائر البناء... و الأمّ تقضّي نهارها في الجبل تجمع الزّقوقو أو في غيرها من أعمال عشوائيّة شاقّة.. قد لا يعلمون عن أبنائهم شيئا غير أنّهم دفعوا لهم "التريميستا" و أنّهم يدرسون في النهارو ينامون في المبيت ليلا...
و عليك أنت أن تكون الأب و الأمّ معا...
أن تصنع من نفسك مرفئا صغيرا هادئا ترتاح فيه قلوبهم الصغيرة الهشّة بين جرس و آخر...
و كان لزاما عليّا أن أبذل جهدا لأسمع الأصوات الهامسة المكبوتة خلف تقاسيم الوجوه الحزينة...
قد أسأل هديل عن سرّ شرودها غير المعهود فتجيب بإبتسامة مرتبكة سعيدة لإهتمامي و ترفع إصبعها بعد برهة لتشارك.... قد أسأل حلمي عن صمته الغريب و عدم إهتمامه بالدرس و أنتظره بعد الخروج من الفصل لأسأله عن تحسّن صحّته و مثابرته على الدواء و مواعيد الطبيب ... و أمثلة كثيرة من دقائق العمل اليومي التّي هي أكبر بكثير من درس على السّبّورة بين جرس و آخر...
هنا بطولاتنا صغيرة ليس فيها من الصّخب و الضّوضاء شيء... أبطالها هم صغار تنوء بصبرهم الجبال... يكابدون الظروف المزرية للمبيت بعيدا عن العائلة في سنّ هشّة بجلد الكهول و صبر و حكمة العجائز...
هنا بالكاد يجدون مصروفهم اليومي ليشتروا قارورة الماء حينما يسوء لونه و يتغير طعمه في المبيت...
هنا في درجة حرارة تساوي الصفر أو تنزل عنه أحيانا كثيرة يقومون في الصباح الباكر ليغسلوا وجوههم و أطرافهم الصغيرة بالماء المتجمّد فلم يكلّف السيّد الوزير ديوان خدماته المدرسيّة بمشروع تجهيز مبيتات المناطق الجبليّة القاسية بمشروع الطّاقة الشّمسيّة الذّي وعدهم به و ما أكثر وعود سيّدي الوزير...
سألتهم عن الوجبة بعد معجزة ديوان الخدمات المدرسيّة فقالوا " زادونا ياغرتة مدام"...
هنا يرون في الأستاذ الذّي يسألهم عن حالهم عائلة بأسرها...
أنا أوقف الدّرس أحيانا لأسألهم عن حالهم سيّدي الوزير... و أحيانا كثيرة نضحك معا و نسخر من الوضع المسدود في غياب الحلول... ثمّ نعود للدّرس...
تحيّاتي معالي الوزير...