في نهاية السنة الماضية عرض "شارلي سلاي" في "قناة الجزيرة ـ أمريكا" شهادة قاطعة عن تناول اشهر الرياضيين الأمريكيين للمنشطات. ووقف "سلاي" المتدرب السابق في "عهد غوير للأدوية"، متحدثاً في تقرير مدته 49 دقيقة، عن أنه قدم منشطات رياضية من النوع المعروف باسم “دلتا 2”، إلى سبعة لاعبين في رياضة "بيسبول" وكرة القدم. مضيفاً، أن هذا المنشط هو من محفزات الهورمونات المحظور تعاطيه من قِبل اتحاد "بيسبول" واتحاد كرة القدم في الولايات المتحدة.
أذيع التحقيق التليفزيوني من "قناة الجزيرة" في 27 ديسمبر / 2015 الماضي، تحت عنوان "الجانب المظلم: أسرار متعاطي المنشطات الرياضية".
وقد حدد عشرة رياضيين كمتعاطين لهذه المواد الممنوعة. من بينهم ريان زيمرمان أحد أشهر لاعبي كرة "بيسبول". وقد رد هذا اللاعب مع زميل له، هو من أشهر الرياضيين الأميركيين أيضاً، برفع دعاوى قضائية ضد القناة القطرية بتهمة التشهير. لكن هذا التحقيق كان “نقطة في بحر” الغش الرياضي الذي يغمر سوق الرياضة الأميركي وصولاً إلى الألعاب الأولمبية.
أبطال "تي إتش جي"
في شهر جويلية عام 2005، بث الراديو البريطاني تقريراً عن نظر محكمة سان فرانسيسكو في فضيحة تقديم المنشطات المحظورة لعدد من أبرز الرياضيين الأميركيين. وأورد التقرير معلومات مفصلة عن "تعاون" مالكي "مصنع بالكو" مع جريج اندرسون مدرب لاعب "بيسبول" الامريكي الشهير باري بوندز، في تزويد الرياضيين الأميركيين بمنشط "تي إتش جي" الذي كان قد تم تطويره بحيث يصعب اكتشافه عند إجراء الإختبارات التقليدية للمنشطات.
لم يعترف مدرب العاب القوى ريمي كورتشيمني بدوره في فضيحة “بالكو”، حيث جرى توزيع منشطات للرياضيين في الفترة ما بين شهر ديسمبر عام 2001 ـ شهر ديسمبر عام 2003.
لقد أحرقت هذه الفضيحة صورة نجوم ألعاب القوى الأمريكيين البارزين، مثل العداءة ماريون جونز، والعداء تيم مونتغمري حامل الرقم القياسي العالمي السابق في منافسات مئة متر. تم ايقاف أكثر من عشرة رياضيين أمريكيين بارزين، تناولوا منشط “معمل بالكو”. كما أثبتت تحقيقات "وكالة مكافحة تعاطي المنشطات الأمريكية" تعاطي عشرات الرياضيين الأميركيين لهذا المنشط.
التستر الإعلامي لدوافع (غير) رياضية؟
لا تحجب التحقيقات أو المحاكمات في تورط تجار ورياضيي "بالكو"، في "أكبر فضيحة لتعاطي المنشطات في تاريخ الرياضة الأمريكية"، حسبما قال الراديو البريطاني، دور "المتستر" الذي يؤديه الإعلام الأمريكي والغربي، على تعاطي المنشطات في صناعة النجومية الرياضية داخل ملاعب أمريكا وفي منافسة الأمريكيين لرياضيي دول العالم. وهذا التستر يجعل الإعلام جزءاً من محركات الأنانية الأميركية، في مجالين :
ـ أولاً، تلبية المصالح التجارية للولايات المتحدة، كما في حالة “شركة بالكو”، التي لا تنحصر بالرغبة في احتكار اسواق الرياضة القومية والدولية، وكسب الجوائز المادية والشهرة المعنوية على المستويين القومي والدولي.
ـ ثانياً، تمكين السياسة الخارجية للولايات المتحدة. فالخلافات مع روسيا في عدد من الملفات الدولية، سوف تحشر في برنامج “أولمبياد ريو 2016”. ويتم إسقاط معايير النزاهة وقواعد التسامح ومبادئ الصداقة التي تميز المنافسة الرياضية العالمية.
إن ما يجعل هذا التستر نوعاً من التورط المباشر، هو امتناع الإعلام الأميركي والغربي عن المطالبة بفحوصات مخبرية مستقلة للرياضيين الأمريكيين أو سواهم. وبدلاً من التشديد على النزاهة، نرى كيف أنه بعد بث تحقيق “الجانب المظلم : "أسرار متعاطي المنشطات الرياضية"، طعنت صحيفة "واشنطن تايمز" بصدقية "قناة الجزيرة ـ أمريكا"، وقالت إنها حققت في "أسرار" نجوم الرياضة الأمريكيين، لأن هذه القناة "تعاني أصلا من ضعف نسب المشاهدة في امريكا الشمالية" وأنها "معروفة بارتباطها بالإخوان"!.
حبل الكذب الأميركي قصير
تكرر هذا التستر الفضائحي في أولمبياد "ريو 2016". لا سيما بعد الإبتزاز الأمريكي لهيئات رياضية دولية، لحملها على اتخاذ قرارات ضيقت على الرياضيين الروس في المشاركة بهذا الأولمبياد، كما حرمت الرياضيين البارالميين الروس، من المشاركة كلياً فيه، من دون أي أدلة أو تحقيق خاص بكل منهم. مثلاً، وزعت وكالة "رويترز" تقريراً بقائمة دول تعاني مشكلة تعاطي المنشطات بين رياضييها. يذكر، بالترتيب، روسيا، إيطاليا، الهند، بلجيكا وفرنسا، تركيا، أستراليا والصين، البرازيل، كوريا الجنوبية. أما الولايات المتحدة فلا يذكرها التقرير بتاتاً، مع تخمة الرياضة الأمريكية بالمنشطات؟!.
هذا النوع من التقارير الصحفية الذي ينشره الإعلام الأمريكي والغربي يبين أن التستر على رداءة الصناعة الرياضية الأمريكية، وحتى إخفاء المصالح الإجرامية المهيمنة فيها، من نوع تقرير “رويترز” المشار إليه، يأتي من توجيه سياسي سافر بالكذب على جمهور الرياضة العالمي. بحيث خلا هذا التقرير من اسم أوستراليا، مثلاً، حيث تعترف مفوضية مكافحة الجرائم الأسترالية بأن خبراء، ومدربين وموظفين ضالعون في توفير المنشطات للرياضيين الأوستراليين، وهناك شبكات إجرامية تشرف على ذلك.
تبدي أوساط رياضية عربية قلقها من عواقب تسييس الولايات المتحدة دورة أولمبياد "ريو 2016"، ومن غش الأمريكيين لكل عشاق الرياضة في العالم. ويزيد منسوب القلق ترشيح اللجنة الأولمبية الأمريكية مدينة لوس أنجلوس لاستضافة أولمبياد 2024 الصيفي، بغية منافسة عواصم فرنسا وإيطاليا والمجر، ومدينة هامبورغ في ألمانيا. وبانتظار أن تعلن اللجنة الأولمبية الدولية عن مقر استضافة أولمبياد 2024 في شهر سبتمبر عام 2017، فإنه ظهر ما يبدد هذا القلق.
فقد نشر فريق من القراصنة السبرانيين طيلة الأسابيع الماضية، معلومات موثقة هي كناية عن رسائل منسوبة إلى ماتيو فيدوروك المدير العلمي لـ"وكالة مكافحة المنشطات الأمريكية". وتتضمن الوثائق صدور أذونات من هذه الوكالة إلى 103 دراجين، 68 رياضي ألعاب القوى، 58 رياضي لعبة “ترياثلون” لاستخدام منشطات رياضية محظورة، بذريعة العلاج.
كما أن تحتوي الوثائق على لائحة بأسماء الفريق النسائي الأمريكي في لعبة كرة السلة البارالمبية، تبين بالتفصيل حجم الجرعات التي تعاطتها “بطلات” هذا الفريق دورة الألعاب البارالمبية 2016، التي أقيمت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية بموجب تلك الأذونات أيضا.
وبينت تلك الوثائق أسماء رياضيين غير أمريكيين أذنت لهم الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (WADA) باستخدام منشطات محظورة بزعم العلاج. ومن بين هؤلاء رياضيين مشهورين، مثل الإسباني رافائيل نادال، المصنف الأول عالميا سابقا لرابطة لاعبي التنس المحترفين، والعداء البريطاني من أصل صومالي، مو فرح البطل الأولمبي أربع مرات، والسباح الهنغاري لازلو تشيك (جونيور)، الحاصل على ست ميدالية دولية.
المنشطات الرياضية مشكلة دولية
وما يؤكد صحة هذه الوثائق، رغم أنه تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة، هو تصريح الدراج الأمريكي لانس أرمسترونغ التي ادلى بها في شهر شهر جوان عام 2013، بعد افتضاح أمر تعاطيه المنشطات، والإعلان عن تجريده من ألقابه السبعة في دورة فرنسا للدراجات الهوائية. إذ قال أرمسترونغ : "من المستحيل الفوز بلقب بطل دورة فرنسا دون منشطات". لكن الأخطر في كلام هذا "النجم الرياضي" الأمريكي قوله لمراسل صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنه ليس هو من اخترع المنشطات، وأن استهلاك هذه المواد المحظورة "لن ينتهي أبدا".
واضاف "كنت جزءا من هذا النظام."، والمعنى واضح، فإن تعاطي المنشطات الرياضية هو جزء من صناعة الرياضة في السوق الرأسمالية المعاصرة.
إن عواقب "ريو 2016" ما زالت تجر ذيولها ومن الواضح أن الأمريكيين ليسوا بمنأى عنها. وذلك لإصرارهم على تسييس الألعاب الأولمبية، وهو إرث زرعه في الرياضة الدولية زعيم الحزب النازي أدولف هتلر في أولمبياد برلين عام 1936، ويبدو أن ساسة واشنطن يعودون لـ"ينهلوا" منه، كلما خابت مخططاتهم الدولية، وفشلت سياستهم الخارجية. إن مكافحة تعاطي المنشطات الرياضية هي قضية عالمية، ويحتاج تخليص الهيئات الرياضية الدولية من آفتها إلى تعاون دولي نزيه. وما عدا الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، فإن ثمة وعياً عالمياً متزايداً بأخطار المنشطات الرياضية على صحة الأفراد وعلى مصالح الدول، يبرهن ذلك ارتفاع عدد الدول الموقعة على أحكام "الاتفاقية الدولية لمكافحة المنشطات في مجال الرياضة".
المصدر:موقع الحقول