ويبقى مصير المصالحة الفلسطينية مهدداً، خلال عام 2018، في ظل استمرار حالة التوتر التي تشوب علاقة "فتح" و"حماس"، رغم تأكيد الحركتين على تمسّكهما بـ"المصالحة كخيار استراتيجي".
كما ينتظر ملف المصالحة، حال حدوث انفراجة في قضية الموظفين، قضايا كُبرى كـ"الأمن وسلاح المقاومة"، تُنذر بتوقفٍ مؤقت جديد للملف، إلى حين حلّها.
**المصالحة ستسير بشكل بطيء
المحلل والكاتب السياسي الفلسطيني من الضفة الغربية، جهاد حرب، يتوقّع حدوث تقدّم في مسيرة المصالحة الفلسطينية خلال العام القادم، لكن بخطوات محدودة.
وقال حرب، في حديثه لوكالة "الأناضول":" 11 عاماً من تبعات الانقسام، لا يمكن أن تحل بمجموعة بسيطة من الإجراءات رغم أهميتها".
ويعتقد حرب أن "نوايا حركتي (فتح) و(حماس) لا زالتا غير واضحة، على الرغم من التصريحات المختلفة لقيادتهما والتي تؤكد على تمسكّهم بالمصالحة".
كما أرجع حرب، عدم اكتمال عملية المصالحة، خلال العام القادم، إلى حاجة بعض الملفات الكُبرى إلى المزيد من الوقت، وذلك لإيجاد "استراتيجية فلسطينية تتعلق بحلّها".
وتابع مستكملاً:" كما أن إصلاح وإعادة ترميم البُنى التحتية والمؤسسات الفلسطينية تحتاج لعدة سنوات، وليس لشهور".
ويتوقع أن تتخذ القيادة الفلسطينية، خلال العام القادم، خطوات هامة في ملف المصالحة الفلسطينية، لكنّها ستبقى محدودة، وتنفيذها بطيء.
ويلفت حرب إلى أن تضارب مصالح حركتي "فتح" و"حماس" من المصالحة الفلسطينية، قد يؤدي إلى بروز مشاكل في كل مرحلة من مراحلها، الأمر الذي يتطلب المزيد من الوقت لحلّها.
ذلك كلّه، قد يؤدي، وفق حرب، إلى توقف عملية المصالحة أحياناً، وفي الأحيان الأخرى قد يعمل على تسارع خطوات تنفيذها.
**لا مصالحة "حقيقية" ولا عودة للانقسام
في هذا السياق، يستبعد حرب عودة حركتي "فتح" و"حماس" إلى مربع الانقسام الأول، خلال العام القادم.
كما أنه يستبعد أيضاً الوصول إلى اكتمال فعلي لعملية المصالحة خلال عام 2018.
ويتفق معه المحلل والكاتب السياسي، طلال عوكل من مدينة غزة، متوقعاً حدوث تقدّم مهم على صعيد إنهاء الانقسام الفلسطيني، دون اكتماله بشكل فعلي وكامل خلال العام القادم.
وقال عوكل إن حل مشاكل 11 عاماً من الانقسام الفلسطيني لا يمكن أن يحدث خلال شهور قليلة، إنما يحتاج إلى وقت أطول.
وذلك لأن المصالحة الحقيقية والفعلية، تعني وفق عوكل، شراكة سياسية وإعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية، وذلك يحتاج إلى توافق، الأمر الذي يتطلب المزيد من الوقت.
وعلى الرغم، من ضرورة وجود الإرادة الحقيقية لدى حركتي "فتح" و"حماس"، لتحقيق المصالحة الفعلية، إلا أن المصالحة هذه المرّة، تتعلق بحسب عوكل، بالتحديات التي تتهدد القضية الفلسطينية، عقب قرار الرئيس الأمريكي ترامب الأخير، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
واستكمل قائلاً:" الموضوع ليس له علاقة بالتطورات الأخيرة، فهل تستطيع قيادتي حماس وفتح تجاهل أهمية الوحدة الوطنية، بينما يتجه الصراع مع إسرائيل، بنحو يشمل كل أرض فلسطين التاريخية؟".
وتفرض المرحلة الحالية نفسها على حركتي "فتح" وحماس"، كما تفرض أسلوبها في التعامل مع المغيرات المحلية والإقليمية والدولية المحيطة، كما قال عوكل.
ويرى عوكل أن التطورات الأخيرة، خاصة المتعلّقة بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، أحدثت تقارباً في الملف "السياسي" بين حركتي "فتح" و"حماس"، وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تترك مجالاً للتناقض في البرامج السياسية للحركتين، فيما يتعلق بملف "المفاوضات مع إسرائيل".
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد قال في كلمة له خلال قمة منظمة التعاون الاسلامي في اسطنبول، الأربعاء الماضي، إنه لن يقبل أن يكون للإدارة الأمريكية أي دور في العملية السياسية.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 6 من ديسمبر/كانون أول الجاري، اعترافه بالقدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة واشنطن إلى المدينة المحتلة.
وبناء على ذلك، فإن عجلة المسار السياسي للصراع الفلسطيني –الإسرائيلي (التسوية السياسية)، قد تتوقف بشكل كامل وفق مراقبين سياسيين، نظراً لانعدام ثقة الطرف الفلسطيني بالولايات المتحدة كراعي للسلام، ورفض إسرائيل لأي وسيط في تلك العملية غير واشنطن.
ويعتقد عوكل بوجود حالة من التفهّم المشترك لدى الحركتين، في هذه المرحلة، إلى جانب وجود قواسم مشتركة بينهما، خاصة فيما يتعلق بالمقاومة الشعبية، قائلاً:" لا يوجد عاقل اليوم يقول بضرورة الكفاح المسلّح، والعالم كلّه معنا".
ولا يتخوف عوكل على مستقبل المصالحة الفلسطينية، خلال العام القادم، رغم التوقعات بتباطؤ تنفيذ بنودها.
**تخوفات من الانهيار
ويختلف الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، من قطاع غزة، مع عوكل حيث يعرب عن تخوفه من انهيار ملف المصالحة الفلسطينية، خلال 2018، بسبب ما قال إنه "غياب الثقة بين حركتي فتح وحماس".
وقال في حديثه لوكالة الأناضول:" رغم التطورات الأخيرة والإعلان الأمريكي الأخير، إلا أن الحركتين لم تتفقا على برنامج وطني، حيث شكّل ذلك الإعلان فرصة كبيرة للتقارب بينهما وإتمام الوحدة الحقيقية، خاصة وأن الموضوع يتعلق بالمشروع الوطني الفلسطيني".
ويرى إبراهيم أن دعوة حركة فتح لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لحضور اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني (تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية)، بادرة جيّدة، تدفع بعجلة المصالحة إلى الأمام.
وترتبط أهمية عقد المجلس المركزي الفلسطيني بالقرارات الصادرة عنه، حيث تتراجع أهميته، إذا اكتفى بإصدار "التوصيات"، بحسب إبراهيم.
وقال:" عام 2015، صدر عن المجلس المركزي قرار يقضي بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، إلا أن القرار لم يُطبّق حتّى اللحظة".
وعقد المجلس المركزي دورته الأخيرة الـ"27"، في مدينة رام الله عام 2015، حيث قرر فيها وقف كافة أشكال العلاقة مع إسرائيل، وهو ما لم ينفذ بعد.
ويعتقد إبراهيم أن تقارب البرامج السياسية بين الحركتين، والذي بدا واضحاً منذ إعلان حماس لوثيقتها السياسية الجديدة، وقبولها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لا يهدد مستقبل المصالحة.
لكنه يرى أن الآلية التي تتبعها حركة "فتح" للوصول إلى ذلك البرنامج السياسي وهو المفاوضات، يتناقض مع آلية (الكفاح المسلّح) التي تؤمن بها "حماس".
ويتطلب اكتمال عملية المصالحة الفلسطينية بشكلها الحقيقي، وفق إبراهيم، شراكة وطنية فلسطينية قائمة على "برنامج سياسي كفاحي ووطني"، إلى جانب إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
ويستبعد إبراهيم حدوث "المصالحة الحقيقية"، دون الاتفاق على البرنامج الوطني الفلسطيني كونه أولوية، يجب أن تدرج على مهام قادة الحركتين "فتح" و"حماس".
وكالة الأناضول