الورقة الرابحة الأولى بيد المقاومة الفلسطينية تتمثل في الأسرى الإسرائيليين، البالغ عددهم وفق الاحصائيات الإسرائيلية 138 أسيراً، دون تمييز بين الأحياء والقتلى منهم، وقد كانوا أكثر من ذلك بكثير، لكن المقاومة الفلسطينية أفرجت عن بعضهم من الأطفال والنساء والمرضى والمسنين، ضمن صفقات التهدئة القصيرة الأمد التي أبرمتها مع العدو، والتي ثبت بعد ذلك أنه كان ينبغي تغليظ شروطها، وعدم القبول بالهدن اليومية التي كانت تجمد القصف وتؤجل القتل يوماً واحداً، ليعود العدو بعدها لاستئنافه بقسوةٍ وعنفٍ أكبر.
تعتبر المقاومة رغم مضي أحد عشر شهراً على العدوان، أن الأسرى المتبقين لديها، يمثلون الورقة الذهبية بيديها، التي يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط بها أبداً حتى تبرم الصفقة، ويلتزم العدو بشروطها ويحترمها، رغم أن نتنياهو لا يعبأ بأسراه، ولا يهتم لمصيرهم، وربما يتعمد قتلهم، ويريد الخلاص منهم، وهو لا يصغي إلى عائلاتهم، ولا يتأثر بمظاهرات ذويهم والمؤيدين لهم، لكنه سيجد نفسه فجأةً أمام هذا الاستحقاق، وسيكون مضطراً للتعامل معه والقبول به.
وقد ثبت أنه قتل بعضهم، وفرط في حياة أكثرهم من خلال عمليات القصف الأعمى المهولة، التي تستهدف الفلسطينيين عموماً، وتطال الأسرى الإسرائيليين وآسريهم، وكان أبو عبيدة قد أعلن مراراً عن عدد الأسرى الإسرائيليين الذين قتلهم جيشهم بغاراته، وكان يعزز إعلاناته بصور ومشاهد للأسرى قبل وبعد مقتلهم، ورغم أن الظروف في قطاع غزة صعبة جداً، وتكاد تكون مستحيلة، إلا أن المقاومة، ووحدة الظل فيها، صاحبة التجربة الطويلة والخبرة العميقة، تعرف كيف تخفيهم وتحافظ عليهم، انتظاراً ليومٍ قادمٍ لا محالة، سيكونون هم فيه السلعة الأغلى والبضاعة الأهم في سوق التفاوض وفرض الشروط.
أما الورقة الثانية الرابحة فهي تتمثل في حق الجمهورية الإسلامية في إيران، في الرد المشروع، دينياً وإنسانياً، ودولياً وقانونياً، وعرفاً وتاريخياً، ضد العدو الإسرائيلي، الذي انتهك سيادتها وقتل ضيفها، واعتدى عليها واستهدف زوارها، وقتل عامداً رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الأستاذ إسماعيل هنية، الذي كان ضيفاً على الجمهورية، وزائراً لها، وأحد المشاركين في حفل تنصيب رئيس الجمهورية الإيرانية الجديد مسعود بزشكيان، في واحدةٍ من الجرائم الدولية الموصوفة، التي تستوجب الرد والثأر، والعقاب والانتقام، ممن أمر بالجريمة، وأشرف عليها وقام بتنفيذها.
والأمر نفسه يمتد ليشمل حزب الله، الذي قتل العدو الإسرائيلي في غارةٍ حربيةٍ، ضمن منطقةٍ سكنية، يسكنها مدنيون لبنانيون، بالقرب من مستشفى عام، فؤاد شكر الذي يعتبر أحد أهم أركان مقاومته، والمسؤول الأول عن عملياته ضد العدو شمال فلسطين، حيث يعتبر رد حزب الله على هذه الجريمة التي استهدفت العاصمة بيروت، وقتل فيها إلى جانب الشهيد شكر، عدداً من المدنيين من النساء والأطفال، رداً مشروعاً وواجباً، ومتوقعاً من كل الأطراف التي تعرف حزب الله.
من حق حزب الله أيضاً أن يرد ويثأر، وأن ينتقم ويكبد العدو خسائر مؤلمة، تتناسب وجريمته، وتفرض عليه معادلته القديمة، التي فرضت توزان رعبٍ معه، اضطر بالقوة والمصداقية أن يلتزم بها ولا يخرقها، وأن يحافظ عليها ولا يهددها، لكنه الآن بجريمته قد استوجب الحساب والعقاب، ووضع نفسه تحت طائلة الرد الموازي والمكافئ، الذي تجيزه القوانين وتحفظه الأعراف، ولعل قيادة حزب الله جادة وواثقة، وحازمة وقادرة، ولا يوجد ما يشير إلى أنها تهدد ولا تفعل، وتعد ولا تفي، والعدو أكثر من يعرف مصداقيته وجديته.
لهذا يجب على المقاومة الفلسطينية وأطراف المحور جميعاً، أن يحسنوا استغلال هاتين الورقتين جيداً، وألا يفرطوا فيهما أبداً، فالأولى ستلزم العدو على دفع الأثمان المطلوبة، والقبول بشروط الصفقة المطروحة، والثانية ستردعه وستؤدبه، وستعلمه أن انتهاك السيادات مكلف، وأن العدوان على أطراف المقاومة ليس سهلاً ولا عملاً ميسوراً مأموناً، بل هو مغامرة تستحق العقاب، ومقامرة تستوجب الرد، وحماقة يلزمها الدرس.
وليكن بين أطراف المقاومة التي تدرك أهمية هاتين الورقتين، تشاورٌ وتنسيق، وتبادلٌ للأدوار وتوزيعٌ للوظائف والمهام، حتى تؤتي هذه الأوراق الرابحة أكلها، وتحقق أهدافها، والتي يراها شعبنا ونراها، تتمثل في وقف الحرب، وإنهاء العدوان، ورفع الحصار، وفتح المناطق، وتمكين السكان من حرية الحركة والانتقال شمالا وجنوباً، والإفراج عن كل المعتقلين بعد يوم السابع من تشرين أول، وتحرير قدامى الأسرى الفلسطينيين وأكثرهم أحكاماً، دون قيودٍ إسرائيلية مجحفة، أو شروط وضوابط أمنية مقيدة.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي