يعلم هذا الدعيُ وأركان حربه وحلفاؤه الكبار والصغار، أن هذه الأهداف، القديمة الجديدة، مستحيلة، وأن تحقيقها ضربٌ من الخيال، فلا قدرة له ولا لجيشه على تحقيق شيءٍ منها مما ادَّعَى، وأياً كان من معه وأيده، ومهما ساعدته الولايات المتحدة الأمريكية التي وعدت مراتٍ عديدة بتشكيل شرق أوسطٍ جديد، ولكنها فشلت وعجزت وانكفأت، وقد كان ذلك في ذروة قوتها العسكرية وصلف قيادتها وغطرستها، عندما كان الجمهوريون يحكمون، ويصنفون العالم إلى محاور شرٍ وخيرٍ، ويهددون أن من لا يقف معهم فهو ضدهم، وفي النهاية ذهبوا وبقيت قوى الشرق الأوسط الدولتية والشعبية.
لكن المقاومة الفلسطينية ومحورها، تعد بكل ثقةٍ ويقينٍ، نتنياهو والكيان الصهيوني إن بقي ولم يسقط، أن تُغيرَ بنفسها منطقة الشرق الأوسط، وأن تهدم الأسس التي كان يقوم عليها، وأن تغير القواعد التي فرضها المستعمرون على دوله وشعوبه، وأن تشطب منها الوافدين الغرباء، والمستوطنين اللقطاء، وتعد بألا يسكن فيها غير أهلها، وألا يطبق فيها غير قانونهم، وألا يسود فيها غير حكمهم، وألا يكون فيها مكانٌ لقواعد استعمارية، ولا لدولٍ وظيفيةٍ، ولا لشرطة مرتزقة أو قوى أمنية عميلة، ولا لوكلاء الاستعمار، ولن يكون فيها نفوذ لغير شعوب المنطقة، الذين عمروها منذ آلاف السنين، وصنعوا فيها حضاراتٍ باقية، وثقافاتٍ سائدةٍ، ولن يكون هذا الهدف مستحيلاً أو غايةً بعيدة المنال.
قررت المقاومة الفلسطينية فعلاً إعادة تشكيل خارطة المنطقة، وفرض قواعدها، وبدأت فعلاً في رسم حدودها، وتحديد معالمها، وبيان هويتها، وتشكيل عقيدتها، وتوضيح أسبابها، وإعلان أهدافها، ولن تتردد أبداً في المضي قدماً ومواصلة ما بدأته، وها هي توكلاً على الله، واعتماداً على قدرات أبنائها ووعي أجيالها، بالصمود والثبات، والدم والنار، والعطاءات والتضحيات، تثبت نفسها، وتحدد مسارها، وتقول كلمتها الحاسمة، وتنفذ بسلاحها وعدها.
إعادة تغيير قواعد النظام في الشرق الأوسط، الذي فرضته الدول الغربية المنتصرة بعد الحربين العالميتين، والانعتقاق من ربقة العبودية لهم، والاستقلال عن قرارهم، هو حلمٌ كان بعيد المنال، ولكنه اليوم غدا أقرب إلى النوال، فعلى كل قادرٍ في المنطقة، ومؤمنٍ بهذه المهمة، دولاً وحكوماتٍ، وشعوباً وجماعاتٍ، وقوى ومنظمات، وأحزاباً وهيئات، أن يشارك في هذه المعركة، وأن يساهم في هذا التحدي، وأن يدخل المعركة شريكاً أصيلاً، وطرفاً رئيساً، فهذه الأيام حاسمة والمعركة فيها فاصلة.
بيروت في 1/11/2023/ بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي