الخميس، 21 نوفمبر 2024

أقليات صنع امريكي لتفتيت الوطن العربي مميز

24 ماي 2016 -- 11:20:37 1047
  نشر في راي و تحليل

كتب الزميل امين بن مسعود في جريدة العرب مقالا بعنوان "واشنطن والمغرب: الأقليات المزيفة والجغرافيا المسيسة:من واجب المغاربة والمغرب أن يؤصلوا في كياناتهم مقولة المواطنة الجامعة والأوطان الممانعة."،و في يلي نص المقال:

لا تزال واشنطن تتقن تحريك الجغرافيا المسيّسة لابتزاز العواصم العربية المتحالفة معها قبل المتباينة عنها، فلئن كانت “الدولة الأمّة” التي ظهرت في غير الأمّة العربيّة تعني اندماج الدولة وانعكاسها لتاريخ الأمّة ولسانها وجغرافيتها فإنّ جزءا من السياسة الأميركية تعمل وتعمد إلى توتير مقوّمات الهوية الوطنية ضربا لمفهوم الاستقرار ومنعا لأي تعاون إقليمي مشترك وتحريكا لهويّات مزيّفة تستقي الوعي الجماعي المخاتل من الإحساس بالضيم الجماعيّ.
على مدى أقل من شهر استهدفت وزارة الخارجية الأميركية الرباط بملفين عميقين وخطيرين جدّا على المغرب كتجربة نوعيّة في الحكم وفي التوليفة المجتباة للعيش المشترك، أوّلهما كان موضوع الأمازيغ حيث ادعت الديبلوماسية الأميركية أنهم يشتكون من تهميش مهيكل في مؤسسات الدولة ومن هضم لحقوقهم اللغوية والثقافية، وثانيهما كان إصدار وزارة الخارجية تقريرا حول “الصحراويين” الذين اعتبرهم البيت الأبيض “يعانون من ظلم منظّم يتجسّد في الاعتقال العشوائي والاحتجاز”.

لا تكمن الخطورة في مدى وجود هذه التجاوزات من عدمها أو حتّى في مستويات الاختلاق التي عوّدتنا عليها واشنطن منذ ثلاثة عقود وإنّما في سعي أميركا المحموم إلى صناعة الأقليات المتمردة في المغرب من خلال تصوير الاعتداءات لا باعتبارها اعتداءات ضدّ مواطنين مغاربة وإنما هي اعتداءات موجّهة ضدّ اثنياتهم وخصوصياتهم اللغويّة وانتماءاتهم الجغرافيّة.

تصنع الأقليّة عبر صناعة الوعي الجمعيّ بالوجع الجماعيّ المسلّط من الآخر سواء أكانت دولة أو أغلبية قاهرة قادرة، لتبدأ سرديّة تاريخية هوياتيّة تنطلق من ثنائيّة التضامن الداخلي والتمايز الخارجيّ ولا تنتهي عند تصنيع غيتوات عازلة للأفكار وللهوياتية كثيرا ما تقود نحو مطلبيّة الانفصال.

اليوم، تقود واشنطن جهدا سياسيا، هو الأخطر – وفق تقديرنا- في تاريخ المغرب الحديث حيث تصبّ سياساتها في تعميق التباين والتنافر بين الشعب الصحراويّ المغربي والرباط إلى درجة تستحيل العلاقة معها علاقة تضادّ استراتيجي يترجم وفق ثنائيّة متناقضة قوامها الانفصال أو الاقتتال.

لا تهتمّ واشنطن كثيرا بسجلات حقوق الإنسان في العالم إلا إذا ارتبط الأمر بانتهاكات حقيقية كانت أو مفترضة، توظفها ضمن استراتيجية الهويات الفائضة والمواطنة المنقوصة لخلق الوعي الموازي بالوطن البديل ولتحويل مشكلة العدالة الاجتماعية والاقتصادية في أقطارنا العربية إلى محنة الأقليات المقهورة وأحقيتها في تقرير مصيرها، حتّى وإن كان هذا المصير يعني ضرب مصير الوطن.

يحتاج المغرب اليوم إلى التفاتة قويّة من اتحاد المغرب العربي حيال ما يتعرّض له الرباط من استهداف أميركي مباشر، وعلى كافة الدول المغاربية أن تدرك أن صناعة الأقليات المتمرّدة والمفترسة للاستقرار ستنسحب على كافة الدول الأعضاء، في حال نجحت واشنطن في إيصال الرباط إلى مربّع الدماء حيث لا تسويات تاريخية لإنهاء الأزمات، بل هي المكاسرة الاستراتيجية دون أنصاف حلول ولا أنصاف تنازلات.

تشهد السرديّة السياسية العربية المعاصرة على ثلاث تجارب من تجارب تحويل الهويات الطبيعية إلى هويات مفترسة وفق تعبير الفيلسوف البريطاني من أصل هندي أرجون أبادوري حيث تؤصل وعيها الجمعيّ وفق التناقض الوجوديّ مع الآخر المشترك والمتشارك معها لذات الجغرافيا والتاريخ أيضا.

إذ لم يتحوّل انفصال جنوب السودان عن السودان من فرضيّة تهديد وورقة ضغط من طرف القادة الجنوبيّين ضدّ مسؤولي الخرطوم إلى حتميّة مصيريّة لولا الضغط الهوياتيّ الذي مورس على الإثنية الجنوبيّة من القوى الإقليمية والدوليّة ليصنع التضادّ الثقافي والإثني، مسنودا بغباء اتصالي وسياسي واستراتيجي كبير من النظام الرسمي في السودان، والذي بمقتضاه بات جنوب السودان دولة منفصلة بحدّ ذاتها قبل إجراء الاستفتاء العام في جوان 2010 والإعلان الرسمي عن الاستقلال في يناير 2011.

ولم يستحل إقليم كردستان العراق دولة قائمة غير معلنة وحكما ذاتيا موسّعا معلنا، دون صناعة إقليمية ودوليّة للقوميّة الكرديّة القائمة على التباين مع عرب العراق والشام مدعومة بعدّة لغويّة وعداد رمزيّ يبدأ من العلم الكردي ولا ينتهي عند استحضار انثروبولوجيا الاتصال الشفاهي والتواصل بالملبس والمأكل لا على سبيل إثبات الثراء الثقافي والحضاري ضمن الوعاء العراقي المشترك والعربي العامّ وإنما من أجل إقرار التمايز ونيل الاستقلال.

“الطائفة الكبرى” و”الدولة الصغرى” من التعابير التي باتت بدورها المقولة المركزيّة الحاضرة في اليمن بعد أن اختار الحوثيون الانخراط ضمن لعبة شرذمة اليمن جغرافيا؛ شمال وجنوب، وتفتيته مذهبيا؛ شيعة وسنّة.

صحيح أنّ الدولة اليمنية اختارت الوحدة الترابيّة بقوّة السلاح وجابهت المتمردين بالحديد والنار ولم يكن لها أيّ استراتيجية حقيقيّة لتأمين الاستقرار لليمن وإبقاء قراره الوطني خلف جغرافيا الوحدة لعام 1994، لكنّ الحقيقة الأخرى أنّ المعارضة بدورها تشكو من ضعف في مستوى خطاب الوحدة وفي نقطة تأصيل استراتيجيات التنمية والبناء في اليمن.

وليس من الغريب أبدا أن تدعم واشنطن بالسلاح والقرار الدولي جنوب السودان في انفصاله الناعم واستقلاله الرسميّ وأن تقف مع مطالب الأكراد في سوريا كما وقفت بالأمس مع مطالبهم في العراق. كما ليس من المستغرب أن تتقاطع واشنطن اليوم مع طهران في ما يخصّ اليمن سيّما في نقطة الدستور الجديد القائم على الأقاليم المتمتعة بالصلاحيات الإدارية والتنفيذية الواسعة.

تشير التقارير الصادرة من واشنطن ومن مراكز الدراسات الاستراتيجية الأميركية إلى أنّ واشنطن تريد معاقبة المغرب بسبب توطيد الرباط علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية بموسكو وبسبب اللهجة العالية ضدّ أميركا التي تحدّث بها العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال اجتماعه بملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي الشهر الماضي، وهو تحدّ وصلت أرجاؤه إلى مجلس الأمن حيث استثمر المغرب كافة جهوده الدبلوماسية وعلاقاته الخارجيّة لمنع مرور مشروع قرار أميركي معاد له ومنحاز بشكل فظّ للطرف الصحراوي الداعم للانفصال.

ولولا الدور الفرنسي – الذي لعب لمصلحته أيضا – معاضدا بقوى دوليّة أخرى من بينها روسيا، لصارت القضيّة اليوم إلى سياق “التدويل الرسميّ” ولأصبح المغرب بين فرضيتي الحرب الشاملة مع جبهة البوليساريو أو القبول بالكسر الجغرافيّ للمغرب وفي الحالتين مسلسل من الاستهداف والاستنزاف الذي ستطال رقعته كافة جغرافيا شمال أفريقيا. ولئن بنت واشنطن سياساتها على صناعة وترويج مقولة الهويات الفائضة والمواطنة المنقوصة فإنّ من واجب المغاربة والمغرب أيضا أن يؤصلوا في كياناتهم مقولة المواطنة الجامعة والأوطان الممانعة.

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة