أثارت و مازالت "بنما بايبرز" قايت جدلا واسعا، في الساحة الإعلامية و السياسية ناهيك عن الاقتصاديّة التونسيّة، مع ورود أسماء شخصيات عامّة ضمن قائمة "مهرّبي" الأموال الّتي أفصح عنها مؤخّرا الائتلاف الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين.
الأموال المهرّبة تطرح مجدّدا على السّطح مدى تطبيق الفصل 12 من قانون الماليّة التكميلي لسنة 2014الذي دعت اليه حكومة مهدي جمعة خلال تولّيها مقاليد السّلطة و المتعلّق برفع السرّ البنكي، قانون من شأنه إرساء الشفافيّة الماليّة وتحقيق العدالة الجبائيّة و الحدّ من التّهرّب الضّريبي مع توفير موارد و سيولة تضخّ لخزينة الدّولة و تنعشها.
وقد أثار قانون رفع السرّ البنكي غداة تداوله تحت قبّة المجلس الوطني التأسيسي امتعاض بل تخوّفات عدّة نوّاب من مختلف الكتل السياسية و أدّى الى جدل كبير ما دعا الى انسحابهم من الجلسات في بعض الأحيان .
احدى الكتل النيابيّة كانت من بين المعارضين لتمرير هذا القانون بصيغته الاصليّة ضمن قانون الميزانية التكميلية لسنة 2014 حيث تقدّمت بمقترح يقضي بضرورة استصدار اذن قضائي لرفع السّرّ البنكي وطالبت بتمريره على التّصويت.
ما يحدث اليوم من لغط حول قائمة بنما او بالأحرى فضيحة بنما، يجعل من مسألة مدى تطبيق قانون رفع السرّ البنكي محلّ استفهام سيّما و أنه من المرجّح أو انه قد بات من الضّروري ان يكون مطلبا ملحّا خاصّة و أنّه يندرج في إطار التزام تونس بالعديد من الاتفاقيات الدولية حتى لا يقع اعتبار بلادنا جنة ضريبية.
رفع السّرّ البنكي، سيفتح الأبواب على مصراعيها لاقتفاء آثار تمويلات الحملات الانتخابيّة المشبوهة و المتأتّية من مختلف الأطراف التي خطّطت و لا تزال تخطّط لاقحام بلادنا في فرض اجندات جيوسياسيّة، بالإضافة الى أنّ هذا الاجراء "اذا ما تمّ الحرص على تطبيقه بجدّيّة" سيمكّن من ارجاع الأموال المنهوبة التي تمّ اهدارها خلال الحملات دون موجب او تلك التي تمّ الاستيلاء عليها دون وجه حقّ.
في ذات السّياق وجب التّذكير بما دعت اليه حكومة جمعة في ما يتعلّق بمنظومة المعرّف الوحيد و التي تتمثل في أن يكون لكل منّا معرّف واحد سيخوّل معرفة مداخيل وممتلكات كل مواطن، وهي التي ستمكّن من معرفة ماهية سياسة الدعم المناسبة لكل واحد. وقد تمّ العمل على احداث هذه المنظومة و تسليمها للحكومة الحاليّة .
لكن على ما يبدو فانّ جميع الجهود المبذولة للحفاظ على المال العامّ و دعم العمل على الشّفافيّة والوضوح ذهبت أدراج الرّياح و ظلّت في الرّفوف المنسيّة تاركة الأزمة الاقتصاديّة تعصف بما تبقّى من مقوّمات الماليّة العموميّة لتزيد من تضخّم ثروات "المستكرشين" و بارونات التّهريب و التّهرّب الضّريبي.