يستفيد الإسرائيليون مجدداً من الظروف الدولية والاقليمية الراهنة؛ فثمة رئيس أمريكي ليس له مثيل في الانحياز للمشروع الصهيوني ضد العرب، إضافة إلى حالة غير مسبوقة من الانهيار العربي والخلافات البينية، تكاد تُفتت العديد من دول المنطقة وكياناتها، وثمة انقسام فلسطيني داخلي أدى إلى تعطيل الفصائل الفلسطينية كافة وتحويلها إلى ما يشبه «جمعيات خيرية» تبحث عن تأمين الرواتب للموظفين والمساعدات للعائلات المستورة في غزة والضفة الغربية. في ظل الوضع الراهن والمعطيات القائمة ينعقد مؤتمر البحرين الاقتصادي، الذي لا يمكن أن ينتهي بأي شيء إيجابي للفلسطينيين أو العرب ما داموا هم الطرف الأضعف، وما دام المنظمون منحازون للاحتلال الإسرائيلي، ويعتبرون القدس عاصمة لإسرائيل، ويعتبرون الجولان جزءاً من إسرائيل. تريد إسرائيل اليوم أن تستفيد من الواقع العربي المتردي مجدداً، فالأنظمة العربية تتهافت من أجل الحفاظ على كراسيها، والفلسطينيون منقسمون ويعيشون أضعف أحوالهم، والإدارة الأمريكية منحازة إلى أبعد مدى للإسرائيليين ولا تخفي ذلك، وما يجري الآن هو فقط استفادة من هذه الأوضاع لفرض مزيد من الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة، وإنتاج وضع لا يمكن معه منح الفلسطينيين أي دولة ولا استقلال ولا حرية، لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل.
مؤتمر البحرين ليس بداية لمشروع سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وإنما هو تمهيد لإقامة علاقات مباشرة بين العرب واسرائيل بما يخدم المشروع الاسرائيلي في المنطقة، كما أنه محاولة لتجاوز الفلسطينيين والقفز عنهم وعن كل مؤسساتهم وتحويلهم إلى مجرد «جالية» أو «أقلية» داخل اسرائيل، التي يعترف بها كل العرب ويقيمون معها علاقات مباشرة. والأخطر من ذلك أن بعض الأنظمة العربية المتهافتة على الكراسي، قد تقدم الشرعية اللازمة للاحتلال الاسرائيلي من أجل البقاء في القدس والضفة الغربية، لا بل تقوم بتمويل الصيغة التي يقبل بها الاحتلال.. أي أنها ستتحمل تكاليف هذا الاحتلال عبر إيهامها بأنها «تستثمر» في الأراضي الفلسطينية.
أهم ما في مؤتمر البحرين اليوم أن الفلسطينيين غائبون، وكل ما عدا ذلك هو مجرد تفاصيل، فمن يريد من العرب أن يقيم علاقات مع اسرائيل فليفعل، ومن يريد أن يلقي بملياراته في جيوب ترامب فليفعل وكل هذه هوامش.. المهم اليوم أن الفلسطينيين يقاطعون هذا المؤتمر المشبوه، وهذا موقف تاريخي يحمل جملة من الدلالات المهمة، أهمها أن الفلسطينيين، بمن فيهم السلطة في رام الله، لديهم القدرة على قول (لا) عندما تكون الحاجة ماسة لها، وأنهم على الرغم من ضعفهم يستطيعون مقاومة الضغوط العربية والأمريكية. أما الدلالة الثانية والمهمة فهو أن القوى الفلسطينية لا تزال موحدة غير منقسمة عندما يتعلق الأمر بالثوابت الوطنية والقضايا المصيرية.
والخلاصة هي أن مؤتمر البحرين لا قيمة له، فلسطينياً على الأقل، وأي اتفاق عربي مع اسرائيل يقفز عن الفلسطينيين فلن يكون له أي شرعية أيضاً، وسوف يكون أشبه بوعد بلفور، حيث سيكون اتفاقاً بين من لا يملك ومن لا يستحق ولا يمكن فرضه على أصحاب الشأن الأساسيين، وهم الفلسطينيون الموجودون على أرضهم.
محمد عايش/كاتب فلسطيني/القدس العربي