لم تفز حركة النهضة في انتخابات 2014 التشريعية إلا لما أجبرت عن التخلي عن السلطة والابتعاد عنها تحت ضغط الانقلاب في مصر وضغط الشارع في تونس وكالتزام بتوافقات الحوار الوطني وكنتيجة لضغوط اقليمية ودولية.
كانت الحركة لتمنى بهزيمة تاريخية لو بقيت حكومة علي العريض في السلطة إلى يوم الانتخابات، نتيجة انعكاسات تردي الوضعين الاقتصادي والاجتماعي وكذلك سخونة الوضع السياسي وتأثيرات إطلاقها العنان للإرهاب وللإغتيالات السياسية على نفسيات الناخبين. لكن هنالك من تطوع كما في كل مرة لإنقاذها من تبعات ممارستها للسلطة، فاختفت عن أعين الناخبين وكانت أشهر قليلة كافية لكي ينسوا اخفاقاتها ولا يحملوها مسؤولية الوضع الذي وصلته البلاد.
في إطار ديمقراطي وسواء كانت تلك الديمقراطية عجوزا أو كانت في طور النشوء، يحاسب الناخبون الأحرار من يتولى السلطة بناء على النتائج التي حققها ووفقا للمدى الذي التزم فيه بوعوده لناخبيه.
فإن حقّق صاحب السلطة نتائج باهرة انتخبوه مرة أخرى وإن حاول ولم يفلح ولم يتسبب في كوارث وانهيارات، قد يعيدون انتخابه ويمنحونه فرصة أخرى. أما إن كان فاشلا لم يحقق شيئا ويتهمه منتقدوه بالتسبب في تراجع الإقتصاد وتأبيد الأزمات وخفض مستوى عيش المواطن، فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل منحه الثقة الشعبية مرة أخرى.
أما في وضع يخضع فيه الناخبون لتأثيرات عدة ويخالف فيه الجميع القانون ولا تخضع فيه لا الأحزاب ولا المال السياسي ولا عمليات سبر الآراء ولا الإعلام لسلطة تضبطها ولا لقوانين تمكن من تنظيمها، فإنه يمكن لصاحب السلطة العودة بنا إلى ممارسات نظام الاستبداد من جديد واستعمال أجهزة الدولة واستغلال وضعه كجالس على رأسها لكي يلبي طموحاته السياسية ويأمل في الانتصار في الانتخابات.
تفطن القانون الانتخابي الجديد بعد الثورة والمقترح من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والصادر سنة 2011 لمسألة استعمال أجهزة الدولة وخاصة الإدارة العمومية في الحملة الانتخابية ومنعها منعا تاما. التزم الجميع تقريبا بمقتضياته في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ولكن خفّ الالتزام مع تغيير القانون الانتخابي بقانون جديد سنة 2014 تماشيا مع نظرية حركة النهضة في الهدم عند المقدرة لإعادة البناء على قواعد ثابتة من جديد. ومع ذلك بقيت الممارسة تخضع لتلك الضوابط والنواميس واحترمتها الحكومات القائمة قبل كل موعد انتخابي ولم ترشح حكومتان قبل الانتخابات سنة 2011 وسنة 2014 أيا من أعضائها والتزمتا الحياد التام.
وها نحن اليوم نعود إلى المربع الأول أو نكاد، بحكومة بصدد توليد حزب من رحم جهاز الدولة والإعداد لترشيح أغلب عناصرها لانتخابات تشرف على جزء مهم منها.
كانت تلك الممارسات المثلى آخر أنفاس الثورة المغدورة ولم نكن ندري حينها ويبدو أنه لن تنفعنا اليوم لا قوانين جديدة ولا غيرها، إذ أن أزمتنا ليست قانونية ولا سياسية إنما هي أخلاقية بالأساس.
لما انتفت الأخلاق، سُمح بوأد الثورة ودفنها وأُسقطت جميع الحواجز، ألم يردّوا على من ذكّرهم بإمضاءاتهم على التعهد بالالتزام بمدة العام لكتابة الدستور، بأنه لم يكن سوى مجرد ”التزام أخلاقي“ ؟.