واذ يستمر المعرض لعدة أيام،فانه سيتيح لزواره فرصة استكشاف أعمال الفنان التشكيلي محمد الغرياني التي تجسد رؤية فلسفية عميقة مستمدة من تقاطع الفيزياء الكمية مع الهندسات المقدسة ومن خلال تقنية الريزين (résine) على لوحات خشبية ومن خلال تقنية تتيح للفنان التعبير عن طبقات متعددة من الشفافية والعمق.
وتتوزع عبر ثماني لوحات بقياس 70×70 صم، ولوحتين بقياس 70×140 صم، ولوحة بقياس 40×40 صم، وأخرى بقياس 30×20 صم ليعكس هذه التنوع في الأحجام التوازن بين الصغير والكبير، كما في الكون نفسه، حيث تتداخل العناصر الدقيقة مع الهياكل الواسعة لتشكل كلاً متماسكاً.
كما يتميز المعرض ببعد روحي قوي، يستمد إلهامه من مبادئ الفيزياء الكمية، التي تتحدث عن الاحتمالات والتداخلات غير المتوقعة، ومن الهندسات المقدسة التي ترى في الأشكال الهندسية رموزاً للكمال الإلهي
وفي أعمال الغرياني، يظهر الريزين كعنصر يعبر عن صراع داخلي بين الرغبة في إخضاع المادة لإرادة الفنان وبين التسليم للتركيبات التي تفرض نفسها كنوع من الصدفة وهي صدفة ليست فوضوية؛ بل هي مدروسة بعناية في تشكيلاتها، تماماً كما يحدث في عملية الخلق الكوني اذ يبدو الكون للوهلة الأولى محض صدفة، لكنه في الحقيقة مدروس ومتقن في خوارزميات إلهية مقدسة، حيث تتحكم قوانين غير مرئية في كل تفصيل.
ومن خلال هذه اللوحات، يدعو الغرياني الزائر إلى تأمل كيفية تفاعل المادة مع الروح اذعلى سبيل المثال، في اللوحات الكبيرة بقياس 70×140 صم، يظهر الريزين وكأنه يتدفق بحرية، مكوناً طبقات تتداخل لتشكل أشكالاً هندسية تذكر بالدوائر المقدسة أو الدوامات الكمية ومن هنا، يبرز الصراع بوضوح بين فنان يحاول توجيه المادة، ومادة تفرض تركيباتها الخاصة، مما ينتج عنه توازناً يعكس الانسجام الكوني
أما اللوحات الأصغر، ومن قياس 30×20 صم، فتركز على تفاصيل دقيقة، حيث تظهر الهندسات المقدسة كرموز للكمال الإلهي، مستوحاة من أنماط مثل الزهرة الحياتية أو نسبة الذهبية، التي تربط بين العلم والروحانيات.
وكخلفية للفنان، يجمع محمد الغرياني بين خبرته الأكاديمية في التصميم وبين شغفه بالفنون التطبيقية كمدرس في المعهد العالي للفنون والحرف بالمهدية حيث يسعى دائماً إلى دمج العناصر العلمية مع الإبداع الفني، مما يجعل أعماله ليست مجرد لوحات، بل تجارب تأملية ليبرز في هذا المعرض تأثير .
دراسته للفيزياء الكمية، حيث يرى في الجسيمات الدقيقة والاحتمالات غير المحددة انعكاساً للحياة الروحية، ويستخدم الريزين كوسيلة لترجمة هذه الأفكار إلى شكل مرئي.
وفي لقاء مع الدكتور محمد الغرياني توجّه بالشكر الى المشرفين على ادارة دار الثقافة بالسليمانية على اتاحة الفرصة له لاحتضان معرضه معتبرا ان فضاء معرض، يضيف بعداً ثقافياً إضافياً، حيث تشتهر المدينة بتراثها الفني والثقافي الغني في كردستان العراق مؤكدا ان اختياره لهذا المكان ليس مصادفة، بل يعكس رغبته في التواصل مع جمهور متنوع، من مختلف الأعمار والخلفيات،يقدر الاندماج بين التراث الشرقي والأفكار العلمية الحديثة وخاصة أولئك المهتمين بالفن المعاصر والفلسفة الروحية.
منصف كريمي