الحشود الشعبية الفلسطينية الغفيرة التي جابت الشوارع في الوطن والشتات، خير دليلٍ وأكبر برهانٍ على أنها مع خيار المقاومة، وأنها مع مقاتلي عرين الأسود في صمودهم وثباتهم، وأنها مع نابلس تؤيدها وتتضامن معها، ولن تتركها وحدها ولن تتخلى عنها، وهو نفس الموقف الذي اتخذته مع جنين ومخيمها، ومع القدس وأحيائها، ومع الأقصى وبواباته، فالشعب الفلسطيني بات صفاً واحداً وجبهةً متماسكة ضد العدو الصهيوني، ولن يسمح له بالتفرد في جزءٍ منه، وتصنيف فئاته أو مناطقه وفق هواه ومصالحه.
الشعب الفلسطيني مع مجموعة "عرين الأسود"، ومع كتائب جنين وجبع وقباطية وغيرها، لأن هذه الكتائب وأعضاءها استطاعت أن ترسم صورةً مشرقةً زاهيةً عن الشعب الفلسطيني، وأبرزت نضاله في أروع صوره، وخاضت مقاومته في أجلى معاركها، فأصبحت في مسيرة المقاومة الفلسطينية رقماً صعباً يصعب تجاوزه، وصفحةً ناصعةً يصعب إنكارها، وشكلت في حياته حالةً استثنائية يعتز بها الفلسطينيون ويؤمنون بها، فقد تمردت على الاحتلال وسياساته، وانتصرت على إجراءاته وتحدياته، ونالت منه وأوجعته، ونجحت في ترجمة شعار وحدة الساحات إلى واقعٍ حقيقي وممارسة فعلية.
استجابة الشعب الفلسطيني لدعوة عرين الأسود بالخروج في مسيراتٍ شعبية، والتكبير بصورةٍ جماعية، تأكيدٌ عملي على اعتماد كل أشكال المقاومة الخشنة والناعمة، العسكرية والشعبية، والرمزية والسلمية، طالما أنها تعبر عن رفض الاحتلال وتغيظه، وتستنكره وتفضحه، فالتكبير الجماعي في المساجد الشوارع وعلى شرفات المنازل وأسطح المباني، ودق الأجراس في الكنائس، ورفع الأعلام الفلسطينية وتأدية التحية لها، والصمت العام والتوقفات المرورية المشتركة في توقيتٍ واحدٍ لدقيقةٍ أو أكثر، والإضرابات العامة والمسيرات والعصيان المدني، والصور واللوحات الجدرانية والمؤتمرات الإعلامية، كلها وغيرها أشكالٌ نضالية ووسائل مقاومة تغيظ العدو وتزعجه، ينبغي أن نسلكها ونعتمدها، وألا نتخلى عنها ونهملها.
الحمد لله أن الشعب الفلسطيني والأمة العربية قد بَرَّا بالمقاومة وكانا وفيين لها وصادقين معها، ووقفا معها وبيضا وجهها، ولم يخذلاها أمام عدوها، ولم يتخليا عنها في محنتها، بل هتفا باسمها، ورفعا صور شهدائها، وأقسما بالله عز وجل أن ينصروا المقاومة وأن يتمسكوا بها سبيلاً للتحرير، ووسيلةً للنضال، ورفعوا رؤوسهم عالياً بالكتائب الوطنية التي قاتلت باسمهم وضحت من أجلهم، وتحدت العدو وصرخت في وجهه "إن المقاومة باتت تمتلك درعاً وسيفاً"، فحمى الله سيف المقاومة، وجرده مسلولاً بيد رجاله، وجعله بتاراً في معركة التحرير، حاداً على العدو صارماً في مواجهته، يحز رأس من يحتل أرضنا، أو يتآمر على حقوق شعبنا.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي