وساهمت تلك اللقاءات التي تمت بعيدا عن الأضواء في بلورة الخطوط العريضة لهذه المبادرة التي تبدأ بترميم حركة نداء تونس، على قاعدة مُخرجات المؤتمر الذي تم في ابريل الماضي، حيث ألقى الرئيس السبسي بثقله لوقف الانشقاق الذي حصل من خلال استمالة عدد من قادة هذه الحركة الذين انضموا إلى جناح سفيان طوبال.
واعتبرت المصادر أن السبسي نجح في إعادة سلمى اللومي، وعدد آخر من قادة هذه الحركة، ليجد سفيان طوبال نفسه معزولا بعد أن تخلت عنه قيادات بارزة، ما دفعه إلى محاولة إيجاد مخرج يحفظ به ماء الوجه عبر البحث عن صيغة تحالف مع حركة مشروع تونس برئاسة محسن مرزوق.
وانتهى السبسي من تجميع العديد من قادة حركة نداء تونس، بمن فيهم مجموعة “لم الشمل”، التي تضم وجوها بارزة منها رضا بالحاج، وعبد الستار المسعودي، ومنذر بالحاج علي، ورضا شرف الدين، إلى جانب تحديد عناصر مبادرته السياسية التي يريد من خلالها العودة إلى المشهد السياسي من بوابة “تصحيح المسار التوحيدي للنداء التاريخي”.
وترتكز هذه الخطوة على تشكيل لجنة قيادية تضم عددا من مؤسسي حركة نداء تونس، توكل لها مهمة ترميم هياكل الحركة، والاستعداد للانتخابات القادمة، على أن تكون تحت إشرافه، وبالتالي تحجيم وتقليص مساحة دور نجله حافظ قائد السبسي في إدارة هذه الحركة.
ويُراهن السبسي على أن تُشكل هذه المبادرة قاعدة لتجاوز الخلافات داخل حركة نداء تونس، ومُقدمة لقاطرة لأي حراك قادم لضبط الإيقاع السياسي وفقا لمعايير جديدة تصب في مُجملها في مربع توحيد القوى السياسية الوطنية الوسطية والحداثية.
ولا يُخفي المحيطون بالرئيس السبسي تفاؤلهم بنجاح هذه المبادرة التي تستهدف في الجزء الثاني منها توحيد الأحزاب التي انشقت عن حركة نداء تونس بعد العام 2014 ، بالإضافة إلى ضم أحزاب أخرى تنتمي إلى ما يُوصف في تونس بـ “العائلة الوسطية و الحداثية”، منها حزب ” البديل ” برئاسة رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، وآفاق تونس برئاسة ياسين إبراهيم.
غير ان بقية القوى السياسية، وخاصة منها تلك المحسوبة على “العائلة الوسطية والحداثية”، مازالت تنظر إلى هذه المبادرة المرتقبة بحذر شديد أملته خشية مُتصاعدة من أن تكون مجرد مناورة سياسية جديدة الهدف منها تكريس مسألة “التوريث السياسي”، وذلك في إشارة إلى الإبقاء على دور لنجل الرئيس السبسي في المشهد الحزبي والسياسي في البلاد.
وبانتظار الكشف عن عناصر هذه المبادرة، لا يتردد المتابعون للشأن السياسي التونسي، في القول إن الرئيس السبسي الذي يُدرك أن تغيير المعادلات السياسية في البلاد يشترط إضافات نوعية في المقاربات القادمة، لم يتبق أمامه سوى إلقاء آخر ورقة سياسية بحوزته قبل نهاية عهدته الرئاسية.
واعتبر مراقب سياسي تونسي هذه الورقة السياسية بأنها ستكون في هذا التوقيت، بمثابة الرصاصة الأخيرة التي إما أن تُصيب هدفها، وبالتالي تحقيق اختراق باتجاه توحيد القوى الوسطية والحداثية، وصولا إلى استعادة التوازن المفقود، وإما أن تُخطئ الهدف، ليتواصل الانقسام.
الجمعي قاسمي/صحافي تونسي /صحيفة العرب