الخميس، 19 جوان 2025

"ممنوع" أن تكون "أنت": قصص تونسيين يعاقبون لأنهم مختلفون... مميز

17 جوان 2025 -- 20:49:26 111
  نشر في الميثاق اليوم

بين القانون ونظرة المجتمع، ماذا يعني أن تولد خارج ثنائية الجندر في تونس؟

في السنوات الأخيرة، شهد الخطاب العام في تونس تحولات لافتة حول قضايا الجندر والهوية الجنسية

من بين المصطلحات التي بدأت تتردد بشكل متزايد في الأوساط الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي نجد "البينيو" و"بينيات الجنس" (أو الأشخاص غير الثنائيين). ورغم أن هذه الفئة كانت دائمًا موجودة في المجتمع التونسي كما في غيره من المجتمعات،

إلا أن وضوحها وزيادة الحديث عنها يمثلان تطورًا يستحق التفسير والتحليل.

 

من هم "البينيو" و"بينيات الجنس"؟ كيف يتعامل المجتمع التونسي معهم/ن؟ وهل يحق لهذه الفئة أن تتمتع بحقوقها،مثل أي فرد آخر؟

في هذا المقال، سنسلط الضوء على مفهوم البينية الجنسية، الأبعاد القانونية، الطبية والاجتماعية لهذه الفئة في تونس.

 

 

تعتبر قضية البينية الجنسية (Intersex) من القضايا التي ما زالت محط تجاهل في العديد من المجتمعات، وتونس ليست استثناءً.

ورغم أن المصطلح قد يبدو غير مألوف للكثيرين، فإن البينية الجنسية تشير إلى الأشخاص الذين يولدون بخصائص جسدية أو بيولوجية لا تتناسب مع التصنيفات التقليدية للجنسين: الذكر أو الأنثى.

قد تكون هذه الخصائص متعلقة بالأعضاء التناسلية، الكروموسومات، أو مستويات الهرمونات. ورغم أنها ظاهرة طبيعية، إلا أن الأشخاص البينيي الجنس يواجهون تحديات كبيرة على المستويين القانوني والاجتماعي في تونس، بالإضافة

إلى الممارسات الطبية التي قد تؤثر عليهم بشكل دائم.

 

حالات واقعية: "مش ذكر، ومش أنثى"

 

آدم (اسم مستعار)، 24 سنة، شاب من تونس العاصمة يصف نفسه بأنه "non-binary" ويقول:

"منذ أن كنت صغيرًا، لم أستطع أن أتقبل تصنيفي كولد أو بنت. أحب ألبس بحرية، أعبّر عن نفسي كما نشتي، لكن الناس ما تفهمنيش. في العائلة، ما يصدقوش أني مش مريض. في الشارع، نظرات الناس تذبح."

حالة آدم ليست فريدة، بل تتكرر مع العديد من الأشخاص الذين يحاولون العيش بهويتهم الحقيقية. وتفيد دراسة أجرتها جمعية "دمج" أن أكثر من 60% من الأشخاص غير الثنائيين تعرضوا للعنف اللفظي أو الجسدي بسبب مظهرهم أو طريقة تعبيرهم.

الأشخاص غير الثنائيين (Non-binary أو بينيات الجنس) هم أولئك الذين لا يتطابقون مع النظام الثنائي للجنس (ذكر/أنثى)، سواء من حيث الهوية الجنسية أو التعبير الجندري.

في تونس، يُستخدم مصطلح "بينيو" — بشكل غير رسمي غالبًا — للدلالة على هؤلاء الأشخاص، وغالبًا ما يُقال بنوع من التهكم أو عدم الفهم.

وفقًا لتقرير أصدرته جمعية دمج (Damj)، وهي جمعية تونسية تدافع عن حقوق مجتمع الميم، فإن عدد الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم غير ثنائيين في تزايد مستمر، وخاصة بين فئة الشباب الذين يتمتعون اليوم بمساحات أوسع للتعبير عن ذواتهم، بفضل الإنترنت ووسائل الإعلام البديلة.

 

و يعرف الطب الجنسي، البينية الجنسية بأنها حالة بيولوجية يولد فيها الفرد بخصائص جسدية تتجاوز التصنيفات التقليدية للجنسين، بمعنى أنه لا ينتمي بشكل كامل إلى فئة الذكور أو الإناث.و هذه الخصائص قد تشمل اختلافًا في الأعضاء التناسلية، الكروموسومات، أو مستويات الهرمونات.

 و تتراوح النسبة العالمية للأشخاص الذين يُعتقد أنهم بينيي الجنس، بين 1.7% إلى 2% من المواليد، وفقًا لبعض الدراسات الحديثة.  و في تونس ربما لا تتجاوز 1000 حالة، ومع ذلك، يمكن أن يكون العديد من هذه الحالات غير ظاهرة أو تُكتشف في مراحل متأخرة من الحياة.

و كشفت الدكتورة منال دربال، نائب رئيس الجمعية التونسية للطب الجنسي،  في حوار سابق، أن البينية الجنسية ليست  "عبورا جنسيا" أو هوية جنسية؛ حيث إن الأشخاص البينيين لا يختارون تغيير جنسهم أو يتبعون مسارًا محددًا للعبور.

ولكن يمكن أن يؤدي التمييز في الجنس عند الولادة إلى توجيه الأطفال إلى مسارات حياتية تتضمن تدخلات جراحية أو هرمونية، وهو ما يثير العديد من الجدل في المجتمع الطبي وحقوق الإنسان.

 

 

عمليات جراحية "قاتمة"

في العديد من الحالات، يقوم الأطباء بتقديم تدخلات طبية وجراحية في مرحلة الطفولة لتعديل الأعضاء التناسلية أو لتحديد الجنس "المناسب". هذه الممارسات تعتبر مثار جدل كبير، حيث لا يملك الأطفال البينيون القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن أجسامهم.

العديد من المنظمات الحقوقية، مثل "دمج" و"الأطباء الشبان"، تنتقد هذه الممارسات وتطالب بوقف العمليات الجراحية المبكرة. على الرغم من ذلك، لا يزال هناك بعض الأطباء الذين يبررون هذه الممارسات على أساس أن التدخل المبكر يساعد على تجنب مشاكل نفسية لاحقًا.

من المهم الإشارة إلى أنّ هناك دراسات طبية تشير إلى أن هذه العمليات الجراحية قد تسبب آثارًا سلبية على المدى الطويل، سواء من حيث الصحة الجسدية أو النفسية، وأن بعض الأطفال يطالبون لاحقًا بإعادة تقييم هذه القرارات.

و هنا، أكدت الدكتورة دربال، ضرورة تدريب و توعية الإطار الطبي و الشبه الطبي في كيفية التعامل مع هكذا حالات مما يسمح بعدم التعدي على كرامة الطفل الرضيع و نفسية اليافع فيما بعد.

 

 

القانون في مواجهة الهوية

ويعرِّف مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة البينية الجنسية بأنها: "الخصائص الجنسية التي لا تتوافق مع التصورات الثنائية المعروفة لجسد الذكر أو الأنثى"، أي أن الأشخاص بينيي/ات الجنس يولدون/تولدن بأكثر من صفة جنسية بحيث يكون التنوع في الصفات الجسمانية على مستوى الأعضاء التناسلية أو الصفات الوراثية أو الكروموسومات أو الهرمونات.

تونس لا تعترف قانونيًا حتى اليوم بالأشخاص غير الثنائيين. فبطاقة التعريف الوطنية، كما الوثائق الرسمية الأخرى، لا تعترف إلا بخانتين: "ذكر" و"أنثى". و محامون من منظمة "محامون بلا حدود" أشاروا إلى أن العديد من القضايا التي تُرفع ضد غير الثنائيين، تكون مبنية على مظهرهم الخارجي فقط دون وجود جرم حقيقي.

كما أن الفصل 230 من المجلة الجزائية، الذي يُجرّم المثلية الجنسية، يُستخدم أحيانًا لاستهداف كل من لا يمتثل للمظهر الجندري التقليدي، حتى لو لم يكن مثليًا.

ويتعرض بينيو الجنس في تونس إلى العديد من الإشكاليات والعوائق القانونية والاجتماعية. فإلى جانب الأزمات النفسية التي تعصف بهم وقدم ص"آدم" نبذة عنها، يواجه هؤلاء بشكلٍ أساسي عدم توفر أية حماية قانونية لهم كفئة هشّة مهددة بكافة أشكال التمييز والوصم والتعنيف التي يواجهها أفراد المجتمع الكويري بوجه عام.

 

 

البينية الجنسية في المجتمع التونسي: بين الوصم والصمت

على الرغم من أن البينية الجنسية ليست شائعة في الخطاب العام التونسي، فإن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يواجهون العديد من التحديات في حياتهم اليومية. واحدة من أكبر المشاكل هي الوصمة الاجتماعية، حيث يعاني العديد من البينيين من التنمر أو الرفض في بيئاتهم الاجتماعية.

العديد من العائلات، في محاولة لحماية أطفالهم، قد تختار إخفاء حالة البينية الجنسية أو تجنب الحديث عنها. ومن هنا، تصبح هذه القضايا موضوعًا مغلقًا في العديد من المنازل والمجتمعات، مما يزيد من الإحساس بالعزلة والاختلاف لدى الأشخاص المتأثرين.

بالإضافة إلى ذلك، تفتقر وسائل الإعلام التونسية إلى تغطية وعي اجتماعي حول هذا الموضوع. لا توجد حملات توعية كافية تساهم في تغيير الفهم الخاطئ أو التقليل من الوصمة المرتبطة بالبينية الجنسية.

 

 

النضال والتمكين: الأمل في التغيير

 

ورغم هذه التحديات، فإن المجتمع المدني يلعب دورًا محوريًا في رفع الوعي والدفاع عن الحقوق. فقد أطلقت جمعية "دمج" بالتعاون مع منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" حملات لتدريب الأطباء، الصحفيين، والمربين على فهم مسائل الجندر بشكل أعمق وأكثر احترامًا للتنوع.

و قد أخذ المجتمع المدني في تونس خطوة كبيرة نحو المطالبة بحقوق الأشخاص البينيين، هذه الجمعيات ترى أن الحقوق الإنسانية للأشخاص البينيين يجب أن تحظى بالاعتراف الكامل، وأن يتم وقف التدخلات الجراحية غير الضرورية في سن مبكرة.

كما تدعو هذه المنظمات، على غرار منظمة صحفيون/ات من أجل حقوق الإنسان، إلى مراجعة القانون التونسي بما يتماشى مع حقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك تعديل قوانين الحالة المدنية لتتيح للأفراد البينيين اختيار هويتهم الجنسية بشكل مستقل بعد سن الرشد. كما أنها تدعو إلى تحسين الوعي المجتمعي من خلال برامج تعليمية وتوعوية تساهم في القضاء على الوصمة والتمييز ضد هذه الفئة.

 

يبقى الطريق طويلًا أمام الأشخاص غير الثنائيين في تونس، لكن بوادر التغيير بدأت تظهر. التحدي الأكبر ليس فقط قانونيًا، بل ثقافيًا واجتماعيًا، حيث لا تزال الهوية الجندرية غير المفهومة تُواجَه بالخوف والوصم. غير أن استمرار النضال، وتزايد الأصوات الداعية للحرية والتنوع، يمثلان أملًا في تحقيق مجتمع يعترف بكل هوياته دون استثناء.

 

اسكندر صكوحي

آخر تعديل في الثلاثاء, 17 جوان 2025 21:14

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة